علت أخيراً صرخة القنوات اللبنانية الثماني، وتشابكت أيدي رؤساء مجالس إدارتها معاً في وجه التردّي الاقتصادي الذي وصلت إليه. شهد يوم السبت الماضي اجتماعاً ضمّ أولئك الرؤساء ووزير الاتصالات بطرس حرب، في محاولة لفتح كوّة في الأزمة وتخفيف الأعباء المالية. طالب القيّمون على القنوات وزارة الاتصالات (بما أنها الجهة المنظمة لقانون البث الفضائي رقم 531 ــ 1996) بإلغاء الرسوم على سيارات البثّ المباشر وتلك المترتبة عليها، مقابل الاستحصال على خدمات نقل الصورة عبر الأقمار الاصطناعية.
ومن ضمن المطالب أيضاً، خفض الرسوم على فواتير الهاتف الثابت والخلوي والإنترنت العائدة لهذه القنوات. وأول من أمس، زار وفد من رؤساء هذه المحطات وزير الإعلام رمزي جريج، وكان تركيز على حقوق المحطات اللبنانية وسط فوضى عمل شركات توزيع الكابل. انبثق عن هذا الاجتماع توكيل مستشار قانوني يمثل القنوات الثماني سيعمل على متابعة هذه القضية ويتفق مع أصحاب هذه الشركات حول آلية تنظيم ترضي جميع الأطراف.
كان يمكن تجنّب المأزق الذي تعيشه القنوات حالياً، لو تحقّقت خطوة رئيس «المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع» عبد الهادي محفوظ التي أطلقها قبل عامين بغية تحسين الأداء الإعلامي، وعدم الارتهان للمال السياسي. الخطوة تتلخّص في منح الشاشات قروضاً ميسّرة من «المصرف المركزي». ولهذه الغاية، اجتمع مرات عدة مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لكن ماذا حصل قبل عامين إلى اليوم؟ هل جمّدت الخطوة وحصلت عراقيل معينة أعاقت استكمالها؟
في حديث إلى «الأخبار» يدقّ محفوظ ناقوس الخطر ويُعلن أن «القطاع المرئي في لبنان مهدّد بالزوال وبالموت» بسبب الأزمة الاقتصادية. مبلغ الـ 60 مليون دولار المخصّص للميزانية السنوية للقنوات، يذهب منه 20 مليوناً للقطاع الإعلاني، فيبقى من المبلغ 40 مليوناً توزَّع على 8 قنوات لبنانية (يضاف إليها Télé Lumière). وبالطبع، لن يكون المبلغ المتبقّي كافياً حتى لإعالة قناة واحدة، فكيف بثمانٍ؟ وعن قضية تأمين القروض الميسّرة للقنوات وماذا حلّ بها، يجيب محفوظ «إن المجلس سيتحرّك مجدداً باتجاه المصرف المركزي، ويحاول إيجاد آليات تضمن للمصارف الأخرى المقترض منها كفالة استرجاع مبالغها. ويبدو أن هذا السبب كان العائق الأساسي لسير خطوة القروض الميسرة مع القنوات». ويأمل محفوظ في حال استحصالها على هذه القروض أن يتمّ استثمارها في قطاع الصناعة الدرامية الذي قد يدرّ مداخيل مالية على هذه المؤسسات.
ودعا محفوظ المؤسسات الإعلامية إلى التحرّك لرسم مستقبل لها «بما أن المال السياسي لم يعد مورداً أساسياً لهذه المؤسسات». كما دعا الدولة اللبنانية إلى أن تُعفي هذه القنوات من الرسوم المفروضة عليها في البثّ ومترتّبات العمل التلفزيوني. واستشهد بالدول المتحضّرة التي تسهم في تطوير القطاع المرئي عبر التمويل ومنح الإعلانات لديها. على سبيل المثال، يقول محفوظ «إن فرنسا تسهم بنسبة 15 في المئة من مداخيل القنوات داخلها». وفي ظلّ هذا الواقع المأزوم اقتصادياً وحتى مهنياً، يرى رئيس «المجلس الوطني للإعلام» أن المعالجة تتمّ بقوننة موضوع «الكابلات»، كذلك بتنفيذ لبنان لخطة الانتقال إلى البث الرقمي المفترض الدخول فيه في حزيران (يونيو) المقبل الذي كانت محطة lbci أول من دخله اليوم. هذا الدخول سيمنح بكل الأحوال خدمات وفرصاً جديدة للاستثمار الإعلامي ويدرّ مالاً إلى جيوب هذه المحطات. ويبقى التساؤل حاضراً وسط أزمة القنوات المحلية الاقتصادية عن تقديم وزارة الإعلام مبلغاً يصل الى مليار ونصف مليار ليرة إلى «تلفزيون لبنان» ومبلغ 250 مليون ليرة كمساعدة لـ«نقابة المحررين» بعدما خصصت مبلغاً مماثلاً لـ«نقابة الصحافة» قبل فترة وجيزة (الأخبار:3/3/2015). الصورة فعلاً سريالية في ضخ أموال في هذه الجيوب (بعضها غير فاعل)، بينما ترزح باقي القنوات اللبنانية تحت سطوة فوضى سوق الإعلان، والمنافسة غير المشروعة، وسوق الكابلات أيضاً.