عند ذوبان الثلج، ستشتعل النار في الجرود. موعدٌ جديد يترقّبه كُثُر بوصفه توقيت انطلاق ما اصطُلح على تسميتها «حرب الربيع». لكن حساب الحقل لدى قيادة تنظيم «الدولة الإسلامية» في الرقة لم ينطبق على حساب بيدر جرود القلمون. مخطط التنظيم الأم للسيطرة تدريجياً على هذه البقعة الجغرافية المحاذية للبنان، والذي يوفّر جبهة قتال مباشرة مع حزب الله، ويسحب البساط من تحت أقدام «جبهة النصرة» الممُسكة بزمام المبادرة في الميدان حتى حين، اصطدم بأطماع الإمارة بين قيادات التنظيم على أرضٍ لم يُمسكوا بزمام أمرها بعد. وقد وصل الأمر بينهم إلى قيام الأمير الشرعي لـ«الدولة»، الأردني أبو الوليد المقدسي، الذي سبق أن قاتل في الصومال قبل أن ينتقل إلى سوريا، بهدر دم «أمير» التنظيم المعيّن حديثاً أبو أسامة البانياسي.
والمعروف عن المقدسي، بحسب قيادات جهادية، أنّه «صاحب غلوّ كبير وحاقد على النصرة». وقد أفتى بقتل البانياسي لأنّه رفض تكفير مسلّحي «الجبهة»، علماً بأن الأخير قُتل على يد الأمير العسكري لجماعة «الدولة» في القلمون المعروف بـ«أبو بلقيس» بعد كمين تعرّض له موكبه وأُصيب على إثره برصاصة قاتلة في صدره. وبالتالي، باتت «الدولة» جناحين، أحدهما دموي يُريد تصفية «النصرة» والقضاء عليها للسيطرة على كامل القلمون، وجناح آخر يُريد التقرّب من «النصرة».

في ظل هذه الأجواء اشتعلت الجبهة الحدودية أمس، علماً بأن النار لم تهدأ منذ نحو شهرين. فالجيش اللبناني، منذ التشكيلات الأخيرة التي أجريت في قيادة اللواء الثامن مؤخراً، يواصل عملية قصف وقنص ممنهجة للمعابر المحتملة التي يسلكها مسلحو «النصرة» و«الدولة». واستباقاً لذوبان الثلوج، انطلقت عملية عسكرية معدّة سلفاً عند الرابعة فجراً. انتقلت ثلاث سرايا من فوج التدخّل الرابع إلى المنطقة الجردية للمشاركة في العملية العسكرية، إلى جانب سرية موجودة أصلاً. وسبب العملية التي بدت مفاجئة «تقرير معلومات»، جاء خلاصة استطلاع ورصد من قبل فوج التدخل الرابع، وجاء فيه أن المجموعات المسلّحة تُعدّ لهجوم كبير ومباغت فور ذوبان الثلج وانحسار العاصفة الثلجية من «المنطقة الممتدة من صوب سهل النجاص في اتجاه وادي رافق»، وبالتالي، يُسهّل ذلك إمكانية التسلل الى منطقة القاع مع تجنّب المرور بعرسال، فضلاً عن محاولة قطع الطريق على المعركة التي تُجهّز لهم على هذه الجبهة من قبل حزب الله والجيش مع قدوم الربيع.
تقارير أفادت
عن إعداد المجموعات المسلّحة لهجوم
كبير


وبحسب المعلومات، تمّ منذ الساعات الأولى السيطرة على منطقتي ١٦٠١ و١٥٦٠، وهما تسميتان تشيران إلى مدى ارتفاع تلّتين. أما أهمية تلة الحمرا في جرود رأس بعلبك، والتي حاول المسلحون السيطرة عليها مراراً، فنابعة من وقوعها مباشرة على ما يُعرف بـ«تلة أم خالد» التي ينتشر عليها جنود إحدى السرايا بحدود ما يقارب ١٠٠ عسكري. وتعني سيطرة المسلحين عليها أن مركز الجيش الواقع على تلة أم خالد يُصبح مكشوفاً أمامهم، فضلاً عن أنهم يحمون بذلك طريق هذه التلة التي يتسللون عبرها لنصب الكمائن وزرع العبوات الناسفة. أما سيطرة الجيش فتمكّنه من كشف تلال أخرى زرع عليها المسلحون «أنتينات» للتواصل، واستهدافها بمدافع ١٠٦ والهاون. وقد تحدثت المصادر عن ضبط كمية كبيرة من العبوات الناسفة، لكنها كانت عبوات بدائية صغيرة.
لم تُحدد خسائر المسلّحين بعد. ورغم تأكيد مصادر مطلعة صعوبة حسم هذه المعركة من دون مساعدة طائرات الجيش السوري، إلا أن هدفها تقطيع أوصال المنطقة وعدم ترك الفرصة للمجموعات المتحصّنة في القلمون للتجهيز للمعركة الكبرى.




حزب الله: تهديد حقيقي للبنان في جرود عرسال

أكد نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن إشارة السيد حسن نصرالله «إلى تهديد حقيقي يواجه لبنان بعد ذوبان الثلج ليست شعاراً، بل حقيقة، لأن التكفيريين لا مشروع لديهم إلاَّ أن يقاتلوا ويقتلوا ويتمددوا في أي دسكرة أو زاروب أو قناة أو ملجأ يلجؤون إليه». ودعا «لبنان الرسمي والشعبي الى درس خياراته جيداً، لأن هذا المشروع يمس لبنان من المنطقة المحتلة في عرسال، وإذا لم تتم المواجهة كما حصل في منطقة الشمال فإن الخطر موجود». وقال: «يشرفنا كحزب الله أننا ساهمنا في حماية مشروع المقاومة الذي نجح في التصدي لهذا الخطر التكفيري الإرهابي العابر للدول. وما قمنا به في سوريا وعلى المقلب الآخر للحدود مع لبنان، حمى لبنان من كارثة تكفيرية».
ورأى قاسم أن «كل المشهد في سوريا يدل على فشل المشروع الأميركي» في هذا البلد. وشدّد على أن «المشروع التكفيري «لا يملك مقوّمات النجاح، وقد أُصيب بنكسات فادحة وكثيرة في سوريا والعراق ولبنان». وقال: «العالم كله يكتشف يوماً بعد يوم أن هؤلاء الجماعة وحوش من ورق يكثرون الضوضاء ويرعبون الناس، ولكنهم لا يملكون مشروعاً ولا قابلية للاستمرار». ولفت الى أن «الجميع يقرُّون بهذا الخطر، ولكن بعض الدول الإقليمية والدولية ما زالت تراهن على أجزاء من هؤلاء التكفيريين الذين لا يوجد فرق بينهم، وكلهم في الدم سواء».
ورأى قاسم أن «السمة العامة اليوم للمنطقة هي عدم الاستقرار الذي سيطول كثيراً وربما لسنوات، والسمة العامة للاعبين الإقليميين والدوليين هي الارتباك وعدم الحسم، لأن التطورات سبقتهم والتعقيدات لاحقتهم».