أحدث ردّ رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، على تقرير السكن الذي نشره مراقب الدولة صدمة وإحباطاً في أوساط الإسرائيليين؛ ففي الوقت الذي يتحدث فيه التقرير عن إخفاقات حكومته في معالجة أزمة السكن وما يعانيه الجمهور على هذا الصعيد، ردّ نتنياهو أنهم «في الوقت الذي يتحدثون عن أسعار السكن، وغلاء المعيشة... تبقى المهمة الأساسية هي الدفاع عن أصل الحياة في إسرائيل»، وعليه فإن «التحدي الأكبر في حياتنا هو تسلح إيران بالسلاح النووي».
جراء ذلك، تعرّض نتنياهو الذي أصدر بيانه على صفحته في شبكة التواصل الاجتماعي لحملات ساخرة على الشبكة نفسها، إضافة إلى تعليقات ومقالات الإعلاميين والسياسيين في إسرائيل، إذ لم تشفع له معرفة الجميع المسبقة بأنه يربط كل شيء بمواجهة التهديد النووي الإيراني، لأن أحداً لم يخطر على باله أن يكون ردّه (مع ما انطوى عليه التقرير من حقائق قاسية تعكس مستوى الآلام التي يعانيها الجمهور الإسرائيلي) بهذا المستوى من التهرب الصريح والفاضح، وخاصة أنها تحاكي اهتمام شريحة الشباب الإسرائيليين الذين يجدون صعوبة في الإقدام على الزواج بسبب ارتفاع أسعار الشقق.
مشكلة نتنياهو أنه حاول مواجهة قضية تستحوذ على اهتمام الجمهور بقضية، وإن كانت حاضرة بقوة في الوجدان العام، فإنها ليست فعالة في تفاصيل حياتهم خلال هذه المرحلة. فلا الصواريخ الإيرانية تتساقط ولا طهران تملك قنبلة نووية تهدد بإسقاطها على فلسطين المحتلة. الأمر نفسه ينطبق على سلاح المقاومة في لبنان وفلسطين، الذي وإن كان حاضراً لدى الرأي العام، لكن سكوت المدافع والعبوات الناسفة يعني تحرك المشكلة الاجتماعية الاقتصادية إلى صدارة اهتمامات الجمهور، من دون أن يعني ذلك، بالضرورة، أن العامل الاقتصادي يتحول إلى عامل وحيد وحاسم في بلورة وجهة الناخب الإسرائيلي.
أيضاً، مما ساهم في مفاقمة إخفاق رئيس الوزراء الإسرائيلي في تكتيكه الإعلامي، ومحاولته التعتيم على إخفاقه الذي أظهره تقرير مراقب الدولة، أن كلامه يتزامن مع حملة انتخابية يترصد فيها منافسوه السياسيون والإعلاميون إخفاقاته كي يسلطوا الأضواء عليها. وفي هذا المجال، أكثر ما يركز خصوم نتنياهو على القضايا الداخلية، فيما يحاول هو وطاقمه جرّهم إلى التحديات الأمنية والاستراتيجية. بعبارة أخرى، لو صدر التقرير نفسه في توقيت آخر، لما حظي بهذا المستوى من الاهتمام السياسي وحتى الإعلامي، وما شعر نتنياهو نفسه بخطورته على واقعه الشعبي، إذ كان بإمكان الحكومة وقتئذ أن تصدر بياناً تؤكد فيه أنها أخذت علماً بمضمون التقرير وستنفذ توصياته لمعالجة هذه الأزمة، غداً أو في يوم آخر.
وفي المشكلة نفسها، أن نتنياهو حاول حرف اهتمام الجمهور عن قضية لم يحقق فيها النجاح المؤمل الذي كان يعد به، بل تحولت إيران في ظل توليه رئاسة الوزراء إلى دولة حافة نووية، وهي تفاوض الآن على اعتراف العالم وتكيّفه مع واقعها كدولة حافة نووية... ووفق تعبير الوزير المقرّب من نتنياهو، يوفال شطاينتس، إلى «دولة حافة نووية بضمانات دولية».
مع ذلك، يعكس رد فعل الرجل الدور التوظيفي الذي يستخدمه لمواجهة تحديات الداخل، عبر تظهير الأخطار والتحديات الأمنية التي تشكلها قوى المقاومة في غزة والضفة ولبنان، وأيضاً لجهة البرنامج النووي الإيراني، ما يسلط الضوء على الحقيقة وراء إصراره على إلقاء خطاب في الكونغرس. فإذا كان نتنياهو يستحضر إيران في مواجهة أزمة الشقق في إسرائيل، فكيف سيكون الأمر في مواجهة قضايا سياسية واجتماعية أخرى؟
في كل الأحوال، يبقى قياس مفعول هذه الحملات بكيفية صرفها في صناديق الاقتراع، الأمر الذي سينكشف في السابع عشر من الشهر المقبل: موعد الانتخابات العامة للكنيست.
في سياق متصل، رأى نتنياهو، خلال لقائه ناشطين من حزب «الليكود» داخل مستوطنة معاليه أدوميم، أن تقرير مراقب الدولة مهم، وأنه ينظر إليه بجدية، وأن ما عملته الحكومة ليس قليلاً في هذا المجال، كذلك فإن هناك ما يجب عمله في السنة المقبلة مع شركائه الطبيعيين.
في المقابل، ردّت رئيسة حزب «ميرتس» باستهزاء على نتنياهو، قائلة: «خلال سنوات حكمه، إيران هي السبب في كل شيء، والتبرير لكل شيء... لغلاء المعيشة ولتدمير جهاز التعليم، ولتدفق مئات الملايين على بناء البؤر الاستيطانية وتخريب العلاقات مع الولايات المتحدة».
وكان مراقب الدولة، القاضي المتقاعد يوسف شابير، قد حمّل نتنياهو وسلفه إيهود أولمرت مسؤولية الإخفاق في منع ارتفاع أسعار الشقق، وأشار شابير إلى أنها ارتفعت بنسبة 55% ما بين عامي 2008 – 2013.