لم يكن مشهد اعتصام موظفي مستشفى رفيق الحريري، أمس، جديدا. الموظفون، الذين أغلقوا مداخل الطوارئ احتجاجا على عدم صرف رواتبهم منذ اكثر من شهر ونصف شهر، اعتادوا، على مر السنوات السابقة، ان يلجأووا الى خطوات «تصعيدية» لنيل «حقهم المقدّس». وعلى الرغم من تأكيدهم أن معركتهم هذه المرّة مختلفة، واعتبارهم ان المسألة تتعدّى الراتب، تفيد المعطيات بأن هذه الأزمة، ستلحق بقية الأزمات السابقة، التي ولّدتها الصراعات السياسية، وستجري «حلحلتها» جزئيا عبر سياسة التقسيط.
«شايفين الأزمة قصة رواتب وبس»، يقول احد المعتصمين بغضب، لافتا الى «الانهيار الكامل الذي يشهده المستشفى»، والى التهميش «المعيب» لهذا الملف. تكثر شكاوى الموظفين والممرضين حول حجم الإهمال الذي يتعرّض له المستشفى: نقص حاد في المعدّات وفي التجهيزات وفي ابسط المستلزمات (صابون ومناديل وغيرها). تؤكد إحدى الممرضات العاملات في غرفة العمليات الجراحية، انه منذ اسبوعين نفذت ادوات التعقيم لمدة ثلاثة أيام، وأنهم لجأووا الى تعقيم ادواتهم من مستشفيات أخرى، فيما تلفت أخرى الى تعطّل المصاعد، وتروي كيف يضطر المريض الى السير مسافات كي يُنقل الى الطابق المحدد.
يؤكد رئيس مجلس إدارة المستشفى المستقيل فيصل شاتيلا في حديثه لـ»الأخبار» أن خطة النهوض بالمستشفى «تستلزم قرارا سياسيا جامعا»، لافتا الى أن «الأزمة تتعدّى مسألة الرواتب».
قبل لقائها أبو فاعور، أكدت لجنة الموظفين أن مطلبها يتجاوز مسألة الراتب، ويتعداها الى «تحقيق المطالب كافة، التي تراعي جميع حقوقهم، مع ضرورة اعادة النظر في الخطة الإنقاذية للمستشفى». بعد لقائها أبو فاعور، ركّزت اللجنة على مسألة الرواتب، ولفتت الى انها ستعقد اجتماعا آخر يوم الجمعة المقبل مع مستشار ابو فاعور ياسر ذبيان «للبحث في بقية المطالب». اللجنة تدرك، كما الجميع، ان الحل لن يكون الا عبر قرار سياسي. يقول أمين سرّ اللجنة سامر نزال ان اللجنة ستعمد الى عقد سلسلة لقاءات مع عدد من السياسيين للتوصل الى حلّ ينصفهم.
تقول موظفة:
«المستشفى هو الكازينو
والجميع يقامر عليه»


في حديثه مع الموظّفين، ربط أبو فاعور المباشرة بالخطة الإنقاذية بمغادرة شاتيلا رئاسة الإدارة»، عندها طالبته اللجنة بتطوير هذه الخطة لتشمل الكادر البشري، وطالبته بضمهم الى ملاك وزارة الصحة او تسوية اوضاعهم اسوة ببقية موظفي المؤسسات العامة، الا ان قرار اللجنة اجراء جولات سياسية لا يعني الا اقتناعها بأن الحلّ لا يتوقّف عند أبو فاعور فقط.
تقول مصادر مقرّبة من أبو فاعور ان العلاقة بين وزير الصحة ووزير المال علي حسن خليل «ممتازة»، ونقل الموظفون عن ابو فاعور قوله إن «خليل اخذ على عاتقه هذه الأزمة، وعمد الى صرف مبلغ 5 مليارات لتسديد الرواتب». لم يُفهم سبب تأخر صرف الرواتب علما ان الفواتير احيلت على وزارة المال منذ شهر كانون الأول.
يقول مصدر مسؤول في المستشفى إن التجاذبات السياسية تحصل «على خلفية رفض وزارة الصحة وإدارة المستشفى التعاقد مع 20 طبيبا». هذا الكلام يؤكده أحد المطلعين على ملف المستشفى، ويعزو السبب الرئيسي لهذه الأزمة الى سلّة من المطالب المقدّمة من كل من «حركة أمل» و»تيار المستقبل»، التي «لم يوافق عليها» ابو فاعور.
أبو فاعور نفى في حديث لـ»الأخبار» مسألة سلة المطالب، الا انه أقرّ بـ»وجود تجاذبات سياسية معينة». ولمّح أبو فاعورالى تقاعس شاتيلا «الذي لم يعرف أن يستغل اعضاء المجلس المميزين والكفوئين»، لافتا الى» عدم عقد المجلس جلساته المطلوبة». تفيد المعطيات ان سبب عدم عقد الجلسات يعود الى مقاطعة أعضاء في المجلس بسبب رفضهم تعيين رئيس مصلحة المواد والمشتريات في المستشفى محمد الكردي المحسوب على تيار المستقبل. يقول احد المعنيين في المستشفى أن هذه المصلحة تعد من أهم المصالح في المستشفى «ويجري من خلالها إجراء المناقصات الضخمة «. ويضيف المصدر نفسه أن بعض الأعضاء يرون أن هذا «المنصب» من حصة «المسيحيين». يرد شاتيلا على ذلك «ان المجلس عقد في خلال ثمانية اشهر نحو 29 جلسة، وانه اعتكف عن عقد الجلسات لمدة شهر واحد فقط «لسبب بات معروفا» (مقاطعة الاعضاء المسيحين)، مضيفا انه جرت تسوية الأمر حينها (عبر تقديم الكردي استقالته)، ولافتا الى «الكثير من الإنجازات التي تحققت في عهده».
هناك من يشكّك في جدّية استقالة رئيس مجلس إدارة المستشفى فيصل شاتيلا، ويرى أن خطوة الاستقالة «ليست إلا وسيلة جديدة للضغط على ابو فاعور». يقول المصدر نفسه إن شاتيلا أحال الأمر على مجلس الوزراء لبت موضوع استقالته، «وهو يدرك أن وزراء تياره (تيار المستقبل) سيؤمنون له التغطية الكافية وسيضمنون بقاءه، الا انها عملية توزيع ادوار لاتخاذ القرار السياسي الذي يرضي جميع الأطراف». ينفي شاتيلا هذا الأمر، ويؤكد إصراره على الاستقالة.
في حديث سابق مع «الاخبار» لفتت مصادر وزارية الى «صراعات سياسية تخاض على مر سنوات داخل المستشفى، تبدأ بالخلافات على مجالس الإدارات ولا تنتهي عند التوظيفات السياسية ومحاولات عرقلة المشاريع». حينها، أكدت المصادر ان هذه الصراعات هي التي أدّت الى عجز يفوق الـ100 مليار ليرة.
لم ينفك الموظفون يقارنون ازمتهم بأزمة موظفي كازينو لبنان، فيما قالت إحدى الموظفات «إن المستشفى هو الكازينو، والجميع يقامر عليه!».