حالما انطلق الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله في عين التينة، انعكس دفئاً في أجواء البقاع. الانعكاس الأكثر وضوحاً سُجّل على الصعيد الأمني، إذ حلّت السكينة على الشارع المتشنج، ولم تعكّر صفوها أحداث رأس بعلبك الأخيرة ولا أحداث طرابلس قبلها. في القرى ذات الغالبية السنية، تراجع الخطاب المتشدد الشعبي، وانحصر في بعض المشايخ وصقور السلفيين ومن تبقى من مؤيدي أحمد الأسير. هؤلاء لم يصلهم دفء الحوار في بيروت. لكن استشهاد جندي من سعدنايل خلال اشتباكات الجيش مع المسلحين في تلال رأس بعلبك أخيراً أسكت بعض أصوات النشاز التي كانت تعلو ضد المؤسسة العسكرية. عوضاً عنها ارتفعت أصوات في خطب الجمعة دعمت التحاور.
لكن هذا الدفء أظهر تمايزاً داخل تيار المستقبل نفسه. تباين علني بين القيادات في البقاعين الغربي والأوسط: فريق محسوب على الرئيس فؤاد السنيورة، صاحب المقاربة المتشددة تجاه حزب الله ومشروعه وسلاحه، وفريق يطالب، أيضاً، بحوار سني ــ سني، مستنداً الى دعوة في هذا الصدد أطلقها الوزير السابق عبد الرحيم مراد «طالما أن الحوار مفتوح مع المتهمين بقتل الرئيس رفيق الحريري». تباين مواقف المستقبليين أفشل خطة أطلقها الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري، خلال زيارته الأخيرة للبقاع، «لتوحيد صفوف التيار والتواصل بين القيادة والقاعدة وتهيئة الأجواء الحوارية الداخلية لتذليل المآخذ وإعادة تنشيط الدم الذي تخثر مع الوقت الى أوردة المستقبليين».
أوساط الحريري نقلت عنه ملاحظته «مدى الهوّة والانقسام في البقاع الغربي تحديداً» بعد مقاطعة عدد من عناصر التيار للعشاء الذي أقامه نائب المستقبل جمال الجراح على شرف الحريري خلال الزيارة «التي نسفت دور منسقية البقاع الغربي وحصرت التيار بشخص الجراح» برأيهم. وهذا ما حدا بقيادة البقاع الغربي إلى التماهي مع الخطاب المتشدد، الأمر الذي أجّل القيام بمبادرة تروج للحوار في أوساط القاعدة الشعبية والمحازبين. في المحصلة، يجد المستقبليون أن زيارة الحريري كأنها لم تحصل لأن ما دعا إليه لم ينفذ إلى الآن. وتشير أوساط قيادة التيار الى أن الحريري «وجه أكثر من رسالة قاسية للجراح وجماعته»، شاكياً في مجالسه من أداء قيادة البقاع. « لم يستطع الجراح استقطاب محازب واحد» نقل عن الحريري. «ممنوع فتح دكاكين لحساب فلان وعلان، وهو ما أدّى بعدد من المحازبين الى مغادرة التيار إلى حزب الاتحاد والحركات الإسلامية» قال الأمين العام.
هكذا تتسبّب عثرات المستقبل وخلافات المناطق بنقل تجربة الحوار المركزي إليها، والمخرج متوافر: مستقبليون يربطون حوار المناطق بنتائج الحوار المركزي، والوصول إلى انتخاب رئيس جمهورية توافقي.