ثبّتت العملية التي قام بها حزب الله في شبعا، رداً على عملية القنيطرة، مخاوف جهات سياسية موثوقة من ارتداد الجهات الأصولية إلى لبنان، في إطار حرب مزدوجة الأهداف، لتطويق حزب الله، من سوريا إلى لبنان، وإعادة إشعال الساحة اللبنانية في مناطق كانت لا تزال خارج «الصراع السني ــــ الشيعي».
وقد حجبت الأحداث الأخيرة أهمية التحذير الذي وجهته السفارة الأميركية إلى رعاياها في لبنان بضرورة اتخاذ الحيطة والحذر في تنقلاتهم. فالعبارة الأساسية فيه هي «حتى في المناطق التي كانت تعتبر الأقل خطراً». ويشير التحذير إلى تبني الديبلوماسية الأميركية الاعترافات الأخيرة التي أدلى بها أحد الانتحاريين بالإعداد لتفجيرات انتحارية ضد كازينو لبنان وفندق رويال. وهذا الأمر له دلالاته السياسية والأمنية، إذ لا يمكن واشنطن أن تتبنى تقريراً إخبارياً لم تتأكد من صحته من المراجع المختصة، كذلك أبدت اهتماماً أخيراً بما نقل إليها من موثوقين عن احتمال تمدّد الأعمال الإرهابية إلى غير المناطق التي اعتُبرت سابقاً مناطق ساخنة. لذا، كان لبّ التحذير يتعلق بالعبارة الآنفة الذكر.
مخاوف من نقل
الصراع من سني
ـ شيعي إلى
مسيحي ـ سني


فالمناطق التي تعتبر الأقل خطراً هي، بتعبير أوضح وأدق، المناطق المسيحية التي كانت حتى الآن بعيدة عن مسرح التقاتل السني ــــ الشيعي، وخلفياته الإقليمية المرتبطة بتدخل حزب الله في حرب سوريا، ما حيّدها في المراحل الأخيرة التي شهدت صعوداً في العمليات الانتحارية ضد المناطق الشيعية والجيش اللبناني، عن خطر هذه التفجيرات.
لكن خطر تمدّد الموجة الانتحارية إلى المناطق الخارجة عن إطار الصراع السني ــــ الشيعي بات، منذ فترة وجيزة، واقعاً ملموساً. فتفجير جبل محسن، والعثور على عبوة ناسفة على طريق زغرتا طرابلس، والاعتراف بالتحضير لتفجير في الضبية (فندق رويال) وطبرجا (كازينو لبنان)، والهجوم العسكري الذي كان يستهدف وصول التنظيمات الأصولية إلى منطقة رأس بعلبك وما تركته من تداعيات على أبناء المنطقة من المسيحيين، ولاحقاً العثور أيضاً على عبوة وقذائف في زغرتا، كلها تعني، بالنسبة إلى الخبراء الأمنيين والسياسيين، أن أمر عمليات قد يكون أُعطي لإدخال المناطق المذكورة، بخلفياتها السياسية والدينية، في قلب الحرب التي تشنّها التنظيمات الأصولية على لبنان.
تكمن خطورة تسلسل الأحداث الأمنية التي كُشف البعض منها، وحذرت جهات معنية من خطورة ما لا يزال مستوراً، في التبعات التي يمكن أن تنجم عن أي تفجير أمني على مستوى عمل انتحاري في هذه المناطق. وهذا لا يعني مطلقاً التقليل من خطورة أي تفجير في أي منطقة من لبنان.
لكن الخضات الأمنية التي وقعت أكثر من مرة في الضاحية الجنوبية أو في مناطق البقاع، تمكن حزب الله من تطويق تداعياتها، مرة بفعل خلفيات إقليمية، بدليل ما يجري حالياً من حوار سني ــــ شيعي بهدف تخفيف التوتر، ومرات أخرى بفعل أمنه الذاتي، وهذا هو الأهم. إذ فرض الحزب إيقاعاً أمنياً وتدابير استثنائية أدت، ولا تزال تؤدي، مفعولها في كبح موجة التفجيرات التي تستهدف مناطق وجوده، بدليل ما شهدته الضاحية الجنوبية خلال تشييع جهاد عماد مغنية من حشد حزبي وجماهيري، فيما كان الحزب قد قيّد إلى الحد الأقصى إقامة افطارات علنية وحاشدة العام الماضي بذريعة المخاوف الأمنية.
وجدوى الأمن الذي فرضه حزب الله وأثمر إيجابيات أمنية، انتقلت عدواه، ولو على مستوى أقل تسليحاً وانضباطاً، إلى عدد من المناطق «المسيحية» الشمالية والبقاعية الشمالية، وخصوصاً في المرحلة التي شهدت نمواً مطرداً لـ»جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» على الحدود اللبنانية واحتمال تعرض بلدات ومدن مسيحية لخطرها. كذلك أُعيدت مسألة الأمن الذاتي إلى التداول في عدد من بلدات جبل لبنان، مع ارتفاع موجة النازحين السوريين والمخاوف التي عززتها تقارير أمنية من احتمال تحول بعض هؤلاء إلى مسلحين، وخصوصاً أن معظمهم سبق أن أدى الخدمة العسكرية في سوريا. وشهدت هذ المناطق تعزيزاً للأمن الذاتي تحت ستار الشرطة البلدية حيناً وتحت مظلة شركات الأمن الخاصة أحيانا أخرى. فضلاً عن تعزيز الجيش في شكل واضح وجوده وتدابيره الأمنية في هذه المناطق.
لكن التطورات الأمنية الأخيرة، دفعت المعنيين من أوساط سياسية موثوقة إلى التنبيه من احتمال نقل التفجيرات الأمنية إلى المناطق المسيحية، علماً بأن الجبهات الأصولية رفعت بدورها من عملياتها وخططها وأهدافها. وحذرت هذه الأوساط من انعكاسات أي من المحاولات التفجيرية على مستوى نقل الصراع من سني ــــ شيعي إلى مسيحي ــــ سني.
وهذا الكلام فيه من الخطورة الكثير، وهو يحمل تنبيه المعنيين من هذه الاحتمالات. فحقيقة الأمر أن جهات أصولية إسلامية سنية هي التي تقوم بالتفجيرات والعمليات الانتحارية. ورغم تبرؤ الطبقة السياسية السنية وغالبية سنة لبنان من هذه العمليات وفاعليها، إلا أنه يجب التنبه إلى تعذر ضبط الشارع المسيحي من الشمال إلى جبل لبنان، إذا ما تحقق أي من السيناريوات المتداولة. علماً أن الجميع يتذكر ردود الفعل الأولى التي أعقبت التفجير الذي أودى بحياة اللواء وسام الحسن، والكلام الذي أدلت به شخصيات مسيحية ومن قلب 14 آذار في رفضها استهداف الأشرفية وإدخالها في نزاع لا ناقة لها به، قبل أن يتبين أن الانفجار لا يستهدف الأشرفية، بل الحسن. فضلاً عن التوتر السني ــــ الشيعي الذي بدأ أول احتكاكاته المباشرة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما تبعه وصولاً إلى 7 أيار، الأمر الذي يجعل تلقائياً أي تفجير أمني يصبّ في خانة الشحن الطائفي والمذهبي بطبيعة الحال.
تبعاً لذلك، وبقدر ارتفاع مستوى المحاذير الأمنية والتنبه لدى الجهات المختصة، فإن معاينة الوضع في المناطق المقصودة يتطلب أيضاً الإحاطة السياسية استباقياً. إذ إن حملات الاستنكار والتشبث بالدولة كما حصل في جبل محسن، لن تشفي غليلاً. فالحوار السني ــــ الشيعي، لا يمكن حينها تحييده عن ارتدادات أي محاولة للعبث بالأمن، لا داخلياً ولا تجاه إعلان حرب من نوع أخرى على حزب الله. وكذلك قد تحرق مراحل الحوار المسيحي ــــ المسيحي أكثر فأكثر وينحو في اتجاه تغليب المسألة المسيحية الداخلية على الاعتبارات الأخرى.