سيكون ألكسيس تسيبراس (40 عاماً) أصغر رئيس وزراء يوناني منذ عام 1865. الشاب العصامي الذي لم ينحدر من عائلة سياسية، يصوَّر اليوم كأحد أبطال الأساطير الإغريقية الآتي لتخليص شعبه من الكارثة الاقتصادية التي تكاد تغرقهم. وبالفعل، يشبه الشاب اليساري الراديكالي شعبه. لم يتخذ مسافةً منهم كما يفعل الساسة الكلاسيكيون في اليونان عادةً. بمظهره «العادي» وبموقفه الرافض لارتداء ربطة عنق كدلالةٍ على رفضه لأي تسوية على حساب الشعب، يجسّد تسيبراس الشارع الذي يتظاهر ضد سياسات التقشف الأوروبية، في بلدٍ بات يعيش معظم سكانه بدخلٍ لا يكفي أساسيات الحياة.
بشخصيةٍ كاريزماتية، شقّ تسيبراس طريقه إلى عالم السياسة، ليحقّق في لحظةٍ حرجة من تاريخ اليونان نصراً لا يعوِّل اليونانيون فقط عليه، بل تتجه أنظار العالم بأسره نحو هذا البلد المتوسّطي الذي يقول للعالم اليوم، عبر الفوز الساحق ليساره في الانتخابات التشريعية، إن «الأمل لا يزال موجوداً».
يؤمن تسيبراس بأن النظام الرأسمالي بات جاهزاً للاستبدال

عرف اليونانيون تسيبراس للمرة الأولى عام 1991، حين ظهر على التلفزيون ليطالب بحقّه وحق زملائه في المدرسة في «اختيار الوقت الذي ندخل فيه إلى الحصة». قبل ذلك بسنوات قليلة، انضم الشاب المولود في العاصمة أثينا إلى الشبيبة الشيوعية اليونانية، ثم إلى حزب «سيناسبيسموس» (Sinaspismos) الشيوعي الأوروبي، المطالب بـ«عولمة مغايرة». وفي موازاة نشاطه السياسي المبكر، تابع تسيبراس دروسه في الهندسة المدنية التي نال شهادةً فيها من مدرسة البوليتيكنيك العليا في أثينا، المركز التقليدي للاحتجاجات الطلابية في البلاد.
لكنّ حياته السياسية الفعلية لم تبدأ إلا عام 2004 حين دخل ائتلاف «سيريزا»، الذي تزعّمه عام 2008. ويُعدّ هذا الحزب اليساري الراديكالي تحالفاً لعدة تيارات وأحزاب يسارية متنوعة، بدءاً من الماوية وصولاً إلى الخضر. ويُحسب لتسيبراس قيادته بنجاح، حتى جعله أقوى الأحزاب السياسية اليونانية.
عام 2009، لم يحصل «سيريزا» على أكثر من 4.6% من الأصوات في الانتخابات التشريعية. حينها أرجع تسيبراس السبب إلى تصادم حزبه مع قوات الأمن قبل أشهر، عندما شهدت اليونان أعمال شغب غير مسبوقة، نتيجة مقتل مواطن على يد شرطي في أثينا، أشعل غضب الشباب اليوناني، حينها قال تسيبراس: «كنا القوة الوحيدة التي دافعت عن حق الشباب في الانتفاضة، ودفعنا ثمناً لذلك». ولكن بعد 6 سنوات، تغيّر الكثير، حتى بدا تسيبراس في لقائه الانتخابي الأخير في أثينا الخميس الماضي، واثقاً من النصر، مؤكداً إدراكه الكامل لما ينتظره بقوله «إننا نبدأ الاثنين (أمس) مهمة شاقة».
يؤمن تسيبراس الذي سمّى أحد ولديه إرنستو، تيمنّاً بالمناضل الارجنتيني إرنستو تشي غيفارا، بأن «النظام الرأسمالي فاسد في جوهره، وقد بات جاهزاً للاستبدال». وهو اليوم يحدّد أولويته في إعادة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي على جزء كبير من الدين العام لبلاده (175% من إجمالي الناتج الداخلي)، من أجل وضع حدٍّ للتقشف، ما يقلق الدائنين والأسواق.
وفيما ينطلق بعض الإعلام الغربي من خلفية تسيبراس الشيوعية ومن اختياره اسم ابنه مثالاً، ليختزل شخص رئيس الوزراء اليوناني المقبل، بصفة «الرومانسية»، يرى آخرون في شخصه رجلاً شجاعاً وسياسياً ماهراً، أعطى بلاده أملاً في الخروج من أزمة التقشف، واستطاع تحدي بروكسل والبنوك الأوروبية، والأهم أنه يمثل أملاً لليسار الأوروبي، المناهض للهيمنة الليبرالية، بالعودة إلى الحياة، وبأن المستقبل الأوروبي لليسار.

(الأخبار)