أُنجِزت ــــ او تكاد ــــ ورقة المواصفات المسيحية للجمهورية بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، وبقي الاهم في كل ما دار حتى الآن بين الطرفين ومغزى حصوله، وهو اجتماع الرئيس ميشال عون والدكتور سمير جعجع.ما تمّ بين الحزبين اللدودين في الاسابيع الاخيرة ليس قليلاً. ولا يقاربانه معاً على انه قليل: وقف الحملات الاعلامية والتشهير والتخوين المتبادل، اسقاط الدعاوى، زوال التشنج بينهما وانعكاسه على شارعيهما، الجلوس الى طاولة واحدة وجها لوجه منفردين للمرة الاولى لسنوات خلت في ما يتعدى اللقاء العابر، خوضهما في مشكلاتهما الصعبة وخلافاتهما المزمنة.

بذلك عنت آلية الحوار التي تتابعت بين المتحدثين باسمهما، النائب ابراهيم كنعان ورئيس جهاز التواصل الاعلامي ملحم رياشي، مسألة بالغة الاهمية في تسجيل تطور رئيسي في علاقة فريقين، يتنافسان على الزعامة والشعبية المارونية والمسيحية، وغالباً ما التقيا على ايصاد ابواب التقارب والتفاهم لالتصاق كل منهما بمشروع اقليمي مناقض للآخر.
لكن المهم الذي افضت اليه جولات الحوار بين التنظيمين لا يزال ينتظر الحصيلة الاهم التي يقترن بها اجتماع الزعيمين: هل سيذهبان معا الى انتخابات رئاسة الجمهورية؟ وبمَن؟
ما آل اليه كل هذا الجهد يتركز في الوقت الحاضر على بضعة معطيات منها:
1 ــــ اتفق التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية على ورقة عناوين موحدة عن الجمهورية التي يتوخيانها، وترتبط بمواضيع مختلفة تشكل مصدر الشكوى المسيحية من النظام والدولة. تتمحور في معظمها حول مواصفات: الرئيس القوي، التمثيل المسيحي في الحكم، قانون الانتخاب، المناصفة الجدية، الوظائف في الادارة، الانماء وتوزيع الانفاق، وسواها.
خلافا للحوار السنّي
ـ الشيعي، الوقت هو عدو الحوار الماروني
ـ الماروني بامتياز

تناولت الورقة الموحدة هذه خطوطا عريضة دونما الخوض في تفاصيل تلك البنود، واتسمت بالعمومية التي لا يسع الفريقان الا التسليم بها. تحدثت عن قانون الانتخاب من دون تحديد موافقتهما على اي صيغة يجدانها ملائمة لوصول نواب مسيحيين بأصوات ناخبيهم. تطرقت كذلك الى الاستحقاق الرئاسي ولم تقل مَن يجسّد صورة الرئيس القوي بينهما او سواهما.
2 ــــ على وفرة تقدّم حوار عون وجعجع، الا ان قرار الرابية لم يتغير، وهو قاطع ونهائي حتى الآن في احسن الاحوال. على الاقل بالنسبة الى هذا المكان: من دون قرار يحمله معه رئيس حزب القوات اللبنانية الى اجتماعه بعون مفاده تأييده انتخابه، سيبدو من المستبعد توقع لقاء وشيك بين الرجلين. هذا القرار هو كل ما يعني رئيس تكتل التغيير والاصلاح من الحوار، وهو الخلاصة التي يتطلبها منه. في احد اجتماعاتهما الاولى، قال رياشي لكنعان في معرض البحث في الاستحقاق: عليكم فيتو، وعلينا فيتو. فلنذهب الى مرشح ثالث. رد نائب المتن بعد مراجعة عون: اصرف النظر عن هذا الامر. الجنرال مرشح دائم.
3 ــــ خلافا للحوار السنّي ــــ الشيعي الدائر بوتيرة متنامية منذ منتصف كانون الاول، فان الوقت هو عدو الحوار الماروني ــــ الماروني بامتياز. في الحوار السنّي ــــ الشيعي، يساهم توالي الجلسات بين الطرفين في اتخاذ مزيد من الاجراءات لتنفيس الاحتقان في شارعيهما. وهو في الواقع يحتاج الى مثل هذا الوقت لاختبار المبادرات واحدة تلو اخرى، وترسيخ تنفيذها وقطف ثمارها، على صورة الاستقرارين الامني والمذهبي في اكثر من منطقة. بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية ثمة حوار على بند واحد اساسي هو انتخابات الرئاسة. كلما ابطأ جعجع سرعة الحوار وتأخر في تحديد موقفه من الاستحقاق، انقلب الوقت على عون. في بداية جولات كنعان ورياشي رسمت الرابية سقفا لمهلة الحوار لا يتجاوز الاشهر الستة الاولى من السنة الجديدة. ليست الحال نفسها اليوم. البعض يردد ان عون يتحدث عن الحاجة الى تقليص المهلة بغية تحديد سقف جديد لها هو نهاية شباط. في اختصار لا يستطيع الرجل الانتظار الى ما شاء الله.
4 ــــ في الجولات الاخيرة من الحوار، استعجل كنعان قرار جعجع من انتخاب عون، فرد رياشي بالحاجة الى مزيد من الوقت بحجة ان ترسيخ الثقة بين الطرفين يتطلبه. كان رد عون الذي حمله كنعان الى محاوره ان الثقة هي في اتخاذ القرار. ثمة تعبير آخر في الرابية يقول ان جعجع كان «يلفي»، وبات عليه اليوم ان يقرر: يريد عون رئيسا ام لا؟
5 ـ يتحدث عون باستمرار عن انه جاهز لتقديم كل الضمانات التي يطلبها منه جعجع لقاء انضمامه الى تأييد انتخابه، حكومياً ونيابياً. وهو جاهز ايضاً لارساء تحالف معه في العهد الجديد يجعله الزعيم المسيحي الاقوى في الشارع، ما داما التقيا على حتمية انتخاب رئيس قوي للجمهورية. لا يخفي ارتياحه الى مسار الحوار مع ندّه، وواثق ــــ في العلن على الاقل ــــ بنياته في طي صفحة الماضي من دون ازالة التباين في المواقف بالضرورة. بيد ان المقاربة الايجابية هذه تصطدم بسؤال غامض لدى بعض المحيطين برئيس تكتل التغيير والاصلاح: هل يقرأ حواره مع جعجع بايجابية اكثر مما تحتمل، ام ان طموحه اكبر من الحقيقة؟
بل لعل المعادلة المثيرة حقا للجدل والاستعصاء تكمن في الآتي: يريد عون اقناع جعجع بانتخابه رئيسا، فيما يريد جعجع اقناع عون بمرشح ثالث.