ائتلاف من أحزاب 8 آذار و14 آذار والتيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي، أطبق أمس على رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي. فازت لائحته المسماة «التوافق النقابي» بـ16 مقعداً من أصل 18 في الهيئة الإدارية للرابطة، وبات قرار هذه الرابطة ممسوكاً بالكامل. في المقابل، خرقت «لائحة الحفاظ على الحقوق والموقع الوظيفي لأستاذ التعليم الثانوي»، التي قادها رئيس الرابطة الحالي حنا غريب بمقعدين اثنين فقط، ذهب الأول إلى غريب نفسه وحظي بالثاني رئيس لجنة الحفاظ على موقع أستاذ التعليم الثانوي الرسمي فيصل زيود.
أجواء المندوبين الذين يشكلون «الهيئة الناخبة» كانت شديدة الكآبة، حضر 487 مندوباً ومندوبة من أصل 541 (90%)، إلا أن معظمهم اقترع وغادر فوراً خلافاً لأي انتخابات حماسية تشهد منافسة حامية. البعض عبّر عن استيائه مما آالت إليه الرابطة في ظل المحاصصة الحزبية الحاصلة، إلا أن الكثير من المقترعين، بمن فيهم حزبيون التزموا بقرارات أحزابهم العليا، عبّروا عن اقتناعهم بأن الأمر أبعد من ذلك بكثير، فالمحاصصة كانت تحصل دائماً، والمفاوضات التي كانت جارية عشية الانتخابات لم تكن خارج هذا السياق. ما حصل، برأيهم، هو قرار متخذ، عن سابق تصور وتصميم، لإنهاء هذه الرابطة تحديداً، وإلغاء موقعها كعمود فقري في تشكيل هيئة التنسيق النقابية ودورها في رفع سقف الخطاب في مواجهة تكتلات المصالح المالية والعقارية والتجارية المسيطرة على الدولة. والأهم، وأد احتمالات تحوّل هذه الهيئة الى اتحاد عمالي مستقل يقود الصراع الاجتماعي، بحسب ما كان يتوعد غريب.
الخوف على هيئة التنسيق النقابية مبرر، فالأساتذة كانوا يتداولون أمس معلومات، مستقاة من أحزابهم، عن نوايا لتمرير سلسلة الرتب والرواتب يرفضها الأساتذة الثانويون، كونها تنال من موقعهم الوظيفي ومكتسباتهم التاريخية، وتفتح الباب واسعاً أمام فرض إجراءات ضريبية غير عادلة لتمويل العجز المتنامي في الموازنة، وفرض إجراءات إدارية تهدد ما تبقى من وظيفة الإدارة العامّة. ولكن الأمل لم ينقطع كلياً مع فوز النقابيين الحزببين الكاسح على النقابيين المستقلين، إذ أظهرت النتائج جملة من المعطيات تسمح بإطلاق تيار في الرابطة يمنع انزلاق قيادتها نحو خدمة مصالح لا تمتّ بصلة لمصالح الأساتذة الثانويين.
الأساتذة عبّروا عن مخاوف من خسارة موقعهم الوظيفي ومكتسباتهم


أولى النتائج، التي أفرزتها صناديق الاقتراع، أن «الائتلاف» لم يخض، أمس، انتخابات سهلة، كما كان يتوقع، ضد اللائحة التي ضمت نقابيين مستقلين وحزبيين يساريين، بدليل حصول هذه اللائحة على أكثر من 40% من أصوات المندوبين المقترعين. هذه النتيجة أسقطت مقولة «عدم وجود أساتذة ثانويين مستقلين عن الأحزاب»، التي رددها المفاوضون طوال الأيام الماضية، كحجة لرفض أي مرشح من خارج المحاصصة الحزبية، وكذلك لإطاحة حنا غريب من رئاسة الرابطة.
النتيجة الثانية اللافتة في معركة أمس تمثلت بحصول غريب نفسه على ثالث أعلى عدد من الأصوات (299 صوتاً) بفارق 3 أصوات فقط عن أول الفائزين من اللائحة الأخرى، عبدو خاطر (302)، وهذا عبّر عن ثقة القاعدة به، وبرهنت أنه لا يزال يشكل رقماً صعباً على الرغم من الحملة المركزة عليه التي حاولت تحميله مسؤولية الفشل في الوصول الى تفاهم مع السلطة لتمرير السلسلة.
هذا العدد الكبير من الأصوات الذي حصل عليه غريب برره ائتلاف الأحزاب بأنه شكل لائحته من 17 عضواً، وأبقى المقعد 18 لغريب، «كونه حاجة نقابية لا يمكن التنكر لها». إلاّ أن صناديق الاقتراع كانت مليئة بأوراق تتضمن المرشحين الـ17 من دون اسم حنا غريب أو أي من أعضاء لائحته، ما يعني أن بعض الأحزاب عمّم على مندوبيه عدم الاقتراع لحنا غريب والالتزام باللائحة كما هي منعاً لأي اختراق واسع، علماً بأن بعض مسؤولي الأحزاب زعموا أنهم تركوا الخيار مفتوحاً للمندوبين لاختيار من يناسبهم للمقعد الـ18.
لم يجاهر أي من أحزاب «الائتلاف» بأن اللقاء الأخير الذي عقد في مقر التيار الوطني الحر سمّى الرئيس المقبل للرابطة قبل انتخاب أعضاء الهيئة الإدارية، إلا أن «الأخبار» علمت أن الائتلاف عقد اتفاقاً ضمنياً على ترشيح عبدو خاطر (التيار الوطني الحر) رئيساً للرابطة.
فوز فيصل زيود بـ277 صوتاً، وبفارق بسيط عن أصوات باقي أعضاء اللائحة الفائزة، يمثل نتيجة لافتة أيضاً، وهو عكس ميلاً لدى المندوبين نحو انتخاب من يرون فيهم ضمانة للعمل النقابي المستقل في الرابطة، علماً بأن عرّابي اللائحة الأخرى لم يترددوا في القول إنّ زيود نجح بأصوات بعض الأحزاب وأن فوزه لم يكن خرقاً، بل كان مدبراً، وذلك للإيحاء بأنهم ممسكون بالقاعدة كلياً.
النسبة الملحوظة من الأصوات التي نالتها لائحة غريب في مواجهة لائحة كل الأحزاب، بيّنت أنّ الإصرار على البقاء في مفاوضات المحاصصة الحزبية حتى اللحظة الأخيرة لم يكن صائباً، وكان بإمكان هذه المجموعة التي خاضت الانتخابات دفاعاً عن استقلالية الرابطة أن تستعد للمعركة جيدّاً، بدءاً من انتخابات المندوبين أنفسهم، وبالتالي كانت هناك فرصة لقلب الطاولة بدلاً من السعي الى التوافق سلفاً على طبخ «لائحة توافقية» في المكاتب التربوية للأحزاب، بعيداً عن مقر الرابطة.
«ما حصل يفرض على الأساتذة الثانويين أن يقرأوا النتائج جيداً وأن يعوا أن وجودهم على الساحة النقابية ليس عابراً، وبإمكانهم التغيير وإبقاء رابطتهم حصناً للعمل النقابي المستقل». هذا ما دعاهم إليه غريب حين قال: «تبرر هذه النسبة من الأصوات أن ما طالبت به كان له أساس ولم يأت من فراغ، إذ إنّ الأساتذة الثانويين عبروا بحرية وديموقراطية عن آرائهم وخياراتهم»، مشيراً إلى أننا «لا يمكن أن نستمر في الحراك النقابي المستقل إذا لم تفهم الرسالة وإذا لم تعط هذه الأصوات مفعولها».
ضحية اليوم الانتخابي الطويل الذي بدأ عند التاسعة صباحاً في ثانوية عمر فروخ الرسمية، كان المرشح القواتي قزحيا سكر (271 صوتاً) الذي نال 14 صوتاً أقل من آخر الفائزين في اللائحة جعفر عساف (285 صوتاً). وقد جاءت النتائج كالآتي: عبدو خاطر (التيار الوطني الحر، 302 صوت)، يوسف زلغوط (حزب الله، 301 صوت)، حنا غريب (الحزب الشيوعي، 299 صوتاً)، نزيه جباوي ( حركة أمل 298 صوتاً)، مرتا دحدح (تيار المردة، 298 صوتاً)، أحمد الخير (تيار المستقبل،297 صوتاً)، ماهر مرعي (الحزب التقدمي الاشتراكي297 صوتاً)، غادة الزعتري (تيار المستقبل، 295 صوتاً)، هيام أبي عبد الله (التيار الوطني الحر، 295 صوتاً)، علي حيدر (حزب الله، 290 صوتاً)، عصمت ضو (الحزب التقدمي الاشتراكي، 290 صوتاً)، بركات طالب (تيار المستقبل، 289 صوتاً)، جرجي نصر (الحزب السوري القومي الاجتماعي 289 صوتاً)، عبد الله نجم (المؤتمر الشعبي اللبناني، 289 صوتاً)، جعفر عساف (حركة أمل، 285 صوتاً) وعبد الرؤوف إيعالي (جبهة العمل الإسلامي، 285 صوتاً).