صنعاء | في يوم واقعة «شارلي إيبدو» في باريس، حدثت مذبحة في صنعاء أزهقت أرواح 50 شاباً كانوا نائمين أمام كلية للشرطة في انتظار قبول أوراق ترشيحهم للدراسة. توجّهت أنظار العالم إلى ما حدث في باريس، ولم يهتمّ أحد بضحايا اليمن. كأن الفقراء لا ربّ لهم. بعد ذلك، جاءت استقالة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لتعوّض بعض الشيء بعدما صار اليمن خبراً رئيسياً على معظم الشاشات بما فيها "سي. أن. أن".
انشغل الجميع بتفاصيل ما يجري في بلد هَش دخل رسمياً حالة الفوضى السياسية. لكنّ الخبر استقر في الواجهة لساعات قليلة. جاء خبر موت الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ليقعد محل أخبار صنعاء وأحوالها. اتضحت الصورة هنا، كأن المملكة فعلاً هي واجهة اليمن التي يُطلق عليها تسمية "الحديقة الخلفية للسعودية".
بينما كان طبيعياً فهم انسحاب القناتين السعوديتين «العربية» و«الحدث» من تغطية الشأن اليمني رغم انشغالهما به طوال الفترة الماضية، بسبب قضايا الثأر القديمة بين أمراء السعودية وجماعة الحوثي، إلا أنّ الغريب هو انسحاب تلفزيون وراديو «بي. بي. سي» معهما. حتّى أنه عندما اتصل مراسل الإذاعة في صنعاء بالقائمين عليها صباح يوم وفاة الملك، طلب منه أخذ آراء الناس حول هذا الخبر وردود الفعل، وظلّ اليمن في الهامش.
محلياً، جاء خبر موت الملك ليؤكد حقيقة بقاء التابعين اليمنيين للسعودية على موقف الولاء والإذعان الذي ظهر منذ صعود الرئيس السابق علي عبد الله صالح إلى السلطة، وليس انتهاءً بالوسائل التي صار صالح يملكها بصفة شخصية بعدما أُزيح عن رئاسة البلد. نذكر مثلاً فضائية "اليمن اليوم" الناطقة باسمه، و"أزال" التي يرعاها صالح من الباطن وهي من توابع المال السعودي الذي ما زال يتدفق إلى البلد عبر "صندوق الأمير نايف". تعبير يُطلق على الرواتب الشهرية التي تصرفها المملكة لقيادات يمنية وشيوخ قبليين وعسكريين كبار وأكاديميين وسياسيين وقادة أحزاب. ويتم هذا الأمر بصفة علنية رغم أنّه يعتبر في بلدان أخرى مُجرَّماً ومداناً يستحق الملاحقة القضائية.
لقد قامت القناتان بعكس حالة الحزن على رحيل الملك السعودي، فظهرت على شاشتيها علامات الحداد وصورة للملك الراحل، حتى أن بعض المذيعين ارتدوا الأسود في محاولة لإظهار أكبر قدر من الحزن الساكن في قلوب أصحاب الفضائيتين على رحيل "ملك الإنسانية". لكنّ الأمر اختلف تماماً في الإعلام الرسمي، خصوصاً الفضائية اليمنية و«إذاعة صنعاء» اللتان صارتا تحت سيطرة جماعة الحوثي بعد اجتياح صنعاء والسيطرة عليها في الأسبوع الأخير من أيلول (سبتمبر) الماضي. جاء موت الملك عبد الله خبراً هامشياً في نشرة أخبار الفضائية ورابعاً في سياق نشرة أخبار «إذاعة صنعاء». ولم تظهر علامة حداد سوداء على شاشة تلفزيون اليمن أو صورة للملك مع بقاء سياق البرامج على حالها من دون تغيير. ويبدو أن هذا التفاعل الهادئ مع خبر الوفاة جاء متسقاً مع موقف جماعة الحوثي (أنصار الله) من قيادة المملكة وسياستها مع اليمن. يضاف إلى هذا تاريخ الحرب السادسة التي خاضها علي عبد الله صالح وخسرها ضد الحوثيين عام 2007 وكانت السعودية طرفاً فيها.