بمناسبة استشهاد مقاومي حزب الله، نشأت فرصة ثمينة لقيام حماس ــــ التي خسرت الرهان على حلفائها الرجعيين ــــ باستدارة علنية نحو محور المقاومة؛ لم تصل بعد إلى النقد الذاتي بشأن الخطيئة نحو سوريا، ولكن الكلام كثير حول المقاومة ووحدة المقاومة وتوجيه كل البنادق نحو اسرائيل الخ.
وكيلا تختلط الأوراق والخطوط والألوان، نحن أمام استحقاق الجدل حول المقاومة، في المفهوم والسياسة والاستراتيجية:
أولا، نسأل: مَ المقاومة؟ ما هو مفهومها وما هي ماهيتها؟ هل يمكننا الاكتفاء بالقول إنها الحركة المقاتلة ضد الاحتلال الأجنبي؟ هل نستطيع أن ننكر، مثلاً، قدرة «المقاومة العراقية»، وكفاءتها القتالية، ضد المحتلين الأميركيين الذين لم يلتقطوا أنفاسهم أبداً، وخسروا ما لا يقل عن عشرة آلاف قتيل ومئة ألف معطوب، بالإضافة إلى الخسائر المالية التي وصلت إلى أرقام فلكية؟ ألم تؤدّ هذه المقاومة وانجازاتها إلى دحر الاحتلال عام 2011؟ بالطبع، لكنها، في المقابل، مزقت المجتمع العراقي، وفشلت في إعادة بناء الدولة الوطنية، وفي تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار الأمني، وخلّفت، وراءها، عملية سياسية تقوم على المحاصصة الطائفية والفساد المؤسسي، بالإضافة إلى الفشل الذريع في الإدارة والتنمية والدفاع، ما سمح للمحتلين بالعودة كـ «منقذين» في العام 2014، أي بعد ثلاث سنوات من التحرير!؟
في حرب الـ 48، انخرط ملك الأردن، عبدالله الأول، وملك مصر، فاروق، في القتال ضد الإسرائيليين، واحتفظا بقسم من فلسطين؛ الضفة وغزة؛ هل كان الملكان مقاومَين؟ قاتل الجيشان، الأردني والمصري، ببسالة، لكن عمان والقاهرة، اندفعتا إلى هدن علنية ومفاوضات سرية، وتنازلات عديدة في سياق تنافسيّ، وحالتا، في النهاية، دون قيام دولة فلسطينية كان يمكنها أن تعيد تنظيم المجتمع واسترداد اللاجئين وتنظيم مقاومة بعيدة المدى، أقلّه كانت تستطيع الحفاظ على كيان معترَف به دولياً، يمكن لإسرائيل احتلاله، ولكن لا يمكنها إلغاءه.
ثانياً، لا يمكن تعريف ماهية المقاومة، إذاً، بجانبها العسكري؛ فالعسكر أداة للسياسيين. لم يُظهر جمال عبدالناصر، كفاءة في تنظيم وإدارة القوات، أو الحرب، في العام 67؛ لكنه كان، عاش ومات... مقاوما؛ ذلك لأن رده على الهزيمة، كان بالحفاظ على نهجه السياسي وتحالفاته الدولية وإعادة بناء قدراته العسكرية ومواصلة القتال. واضطر حافظ الأسد، إلى تجميد جبهة الجولان، بعد 1974، لكنه كان، عاش... ومات مقاوماً؛ ذلك لأنه لم يستسلم لموازين القوى، وانخرط في بناء قوة سوريا الاقتصادية والعسكرية وتحالفاتها الدولية، ومواصلة المجابهة مع المشروع الصهيوني وأدواته، وإدارة الحرب خارج الأسوار. المقاومة، إذاً، هي نهج سياسي؛ غير أن هذا النهج قد يكون مؤقتاً، كما حدث مع «فتح» التي انتقلت من الإفراط إلى التفريط.
ثالثاً، لا يكفي، إذاً، أن تكون المقاومة نهجاً سياسياً؛ ينبغي أن تكون نهجاً استراتيجياً أيضاً، لا بالنسبة للقائد فحسب، بل، أيضاً، بالنسبة لمجمل البنية السياسية التي نسجها، فكراً وسياسةً وتنظيماً؛ فبرحيل عبدالناصر، سقط نهجه، وحوّل السادات ما بناه سلفه من قوة عسكرية صنعت مجد أكتوبر، إلى أداة لتحريك تسوية إستسلامية. في المقابل، فإن رحيل الأسد، لم يؤد إلى تغيير في نهج سوريا السياسي أو تحالفاتها أو أهدافها؛ ذلك أنها كلها متجذرة في صلب البنية السياسية والعسكرية والتنظيمية التي أنشأها القائد. إننا ندرك، بالطبع، ما في تلك البنية من خروق، وما لحق بها، لاحقاً، من تجاوزات، لكنها ظلّت، في النهاية، تحافظ على استراتيجية المقاومة.
لا نعتب على إعادة تأهيل «حماس»؛ ولكننا نطرح الأسئلة التي لا تغيب: (1) هل يمكن أن تنتمي إلى المقاومة، حركةٌ ساهمت ــــ عسكريا أو سياسيا أو اعلاميا ــــ في مؤامرة هدم حصن المقاومة في سوريا؟(2) وتموضعت في حلف إقليمي ودولي مضادّ للمقاومة، وما تزال؟ (3) وبايعت الإرهابي أردوغان ــــ الراعي الرسمي لـ «داعش» ــــ سلطانَا للمسلمين، وما تزال؟ (4) وهل يمكننا أن نصدّق أن أعضاءها قاتلوا الجيش السوري، من دون قرار قيادي؟ (5) وهل ننسى أنها تاجرت بنصر غزة الدامي وبطولات مقاتليها، وتضحيات أهلها، في سوق النخاسة القَطري ــــ التركي؟
خيار المقاومة؟ نعم. وحدة المقاومة؟ بالتأكيد؛ غير أن هذه الوحدة ليست، فقط، وحدة سلاح، وانما، بالأساس، وحدة في النهج السياسي والاستراتيجي. وفي صفوف الشعب الفلسطيني، هناك قوى يمكن الركون إليها في هذا النهج؛ ماذا عن «الجهاد الإسلامي» ومقاومي «الجبهة الشعبية» و»فتح» و»لجان المقاومة» الخ؟ نصف ما تحوزه «حماس» من الدعم واهتمام سياسي واعلامي، كفيل بتصعيد تلك القوى إلى الموقع الأول في فلسطين.