هناك «ملابسات» و«تفاصيل رافقت الاعتداء الإسرائيلي الأخير»، يقول بيان كتلة المستقبل. «لكن وبغض النظر عن هذه الملابسات والتفاصيل، تدين الكتلة أي اعتداء من قبل العدو الإسرائيلي على أي أرض عربية»، وعليه موقف الكتلة مبدئي. كان بودّها ألا تدين الاعتداء الإسرائيلي على حزب الله، لكنها ملزمة بإدانة كل اعتداء على أرض عربية؛ فليتفهّمها الجمهور إذاً.
في إسرائيل، لا يزال النقاش خجولاً جداً حول صوابية الضربة العسكرية أو عدمها، رغم الخشية الشعبية من رد حزب الله ورغم توقيت الضربة عشية الانتخابات الإسرائيلية. أما هنا، فيحمّل الآذاريون حزب الله مسؤولية الفعل الذي أقدمت إسرائيل عليه، ويحذّرونه من الإقدام على أي ردة فعل! كاتب بيانات المستقبل، مثلاً، يحرص على وصف إسرائيل بالعدو كلما ذكرها، ويخصص السطرين الأولين من البيان لإدانة الاعتداء، «رغم الملابسات». ثم ينتقل إلى ما هو أهم: «أمن لبنان وسلامة اللبنانيين يجب أن يكونا في مقدمة الاهتمامات اللبنانية.
يكاد يكون
مطلوباً من حزب الله
أن يشكر نتنياهو!

ويجب الحفاظ عليهما من خلال الالتزام قولاً وعملاً بسياسة النأي بالنفس عن أي تورط يحمل خطراً على لبنان”. وبالتالي، فإن حزب الله من خلال وجوده في أرض عربية محتلة يعرض أمن لبنان وسلامة اللبنانيين للخطر. ليست المشكلة في الاحتلال الإسرائيلي ولا بطائراته التي تستهدف مقاتلي حزب الله، إنما المشكلة في الحزب. مجدداً ليست مشكلة الأمن والاستقرار مع الاحتلال، إنما مع من يقاومه. وها هو النائب المستقبلي زياد القادري يحمّل حزب الله، بصراحة متناهية، مسؤولية «إفساحه المجال أمام إسرائيل بإنزال الخسائر بشباب لبنانيين كانوا يقاتلون في المكان والزمان الغلط». فيما تذكّر كتلة المستقبل بأن حزب الله يهدد أمن لبنان واستقراره «عبر زيادة تورطه في الحرب السورية بدوافع إقليمية لا تمت للمصلحة العربية أو الفلسطينية بصلة».
المنطق نفسه. من يبررون هجمات التكفيريين على الضاحية عبر تحميل الحزب مسؤولية التفات التكفيريين إلى لبنان، يحمّلونه أيضاً مسؤولية «إيقاع لبنان في منزلقات ومخاطر إقليمية». فنفض الغبار عن جبهة الجولان لا يمت للمصلحة العربية أو الفلسطينية بصلة، إنما هو «وقوع في أسر الالتزام في تنفيذ أجندات إقليمية» . ويخلص قارئ البيان، النائب عمار الحوري، إلى أن قول رئيس لجنة الأمن والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي إن رد حزب الله على إسرائيل سيكون قاسياً جداً «كلام نافر ومستهجن يشير إلى طبيعة العلاقة بين الحزب والمسؤولين الإيرانيين».
أما مجموعة هرار هوفيفيان وسيفاك هاكوبيان وربى كبارة وواجيه نورباتيليان وإيلي محفوض، وغيرهم من أعضاء الأمانة العامة في قوى 14 آذار، فوجدت في الضربة الإسرائيلية مناسبة لسؤال حزب الله عن «سبب إصراره على قتال الشعب السوري التوّاق إلى الحرية وإقحام لبنان واللبنانيين في صراعات المنطقة؟». وحذر النائب السابق فارس سعيد، تحت طائلة التهديد بإنشاء لواء خاص بقرطبا على غرار لواء تنورين، من استخدام لبنان للرد على إسرائيل. فلا اغتيال شبان لبنانيين، و«لا شيء على الإطلاق»، يبرر الرد على اسرائيل. وتطول «إلياذة» سعيد مناقضة نفسها: «إسرائيل عدو تام وعندما تتعرض للبنان (14 آذار) يصير التصدي لها واجباً». قبل أن تستدرك: «اليوم، آخر ما يطلبه اللبنانيون هو العودة إلى المسلسل المرعب، وأن يكونوا ضحايا في صراع أكبر منهم».
تكر تصريحات الدفاع عن الحدود الإسرائيلية بحجة حماية لبنان. مصادر النائب أحمد فتفت الدبلوماسية أطلعته، بحسب قوله في مقابلة إذاعية، على أن «أي رد من حزب الله سيجابه برد إسرائيلي عنيف يطال كل لبنان». وليس للبنان القدرة، بحسب الوزير المستقبلي نبيل دو فريج، على أن يدمر مرة أخرى. وهو ما يكرره النائب القادري بتحذيره من «أي مغامرة ستقضي بالتأكيد على ما تبقى من عافية في البلد». أما المنطق فيقول، وفقاً للنائب الحوري، أن يكون الرد من خارج لبنان. وإن كان حوري يترك للحزب مهمة تقويم الوضع الداخلي حالياً والوسيلة المناسبة أكثر لمعالجة التعقيدات الداخلية بدل مضاعفتها. ويسجل، هنا، لفتفت قوله إن من يسقط في وجه العدو الإسرائيلي هو شهيد «رغم كل تجاوزات حزب الله»، مع العلم بأن مواقع 14 آذار الإلكترونية وصفت الشهداء بالشهداء تارة، والقتلى طوراً. ولم يلبث الرئيس فؤاد السنيورة أن وجد نفسه مضطراً أمس إلى التدخل شخصياً لإعلام الرأي العام بأن «العدو الإسرائيلي لا تنقصه المبررات من أجل تنفيذ عدوان على الأراضي العربية من لبنان إلى السودان». ويجب على حزب الله، بالتالي، نزع المبررات بدل توفيرها: «المطلوب من اللبنانيين والقوى السياسية الأساسية التنبه وعدم إعطاء أي مبرر للعدو من أجل القيام باعتداء على لبنان».
المشكلة ليست في موقف مي شدياق التي صبّ جمهور 8 آذار غضبه عليها في اليومين الماضيين. المشكلة في وجود فريق سياسي كامل يؤدي على أكمل وجه ممكن المهمة التي طلبتها إسرائيل من القوات اللبنانية أولاً، ومن الدولة اللبنانية ممثلة بالرئيس أمين الجميل، ثانياً ومن عملاء أنطوان لحد ثالثاً. فالكيان الصهيوني حرص دائماً على الموازنة في حماية نفسه بين الإجراءات الأمنية والضغوط السياسية على الحكومة اللبنانية، وهو كان، ولا يزال، يعتبر أن حماية حدوده الجنوبية مهمة الحكومة اللبنانية. «المطلوب من اللبنانيين والقوى السياسية الأساسية التنبه وعدم إعطاء أي مبرر للعدو من أجل القيام باعتداء على لبنان»؛ لعل حزب الله يبرق إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي لشكره على استهداف أبنائه، ولعله يلصق على المغلف طابعاً يحمل رسم الرئيس فؤاد السنيورة أو فارس سعيد.