لا شك في ان الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله لا يضع كل النيات المبطنة على الطاولة. يعرف الطرفان نيات بعضهما بعضا، لكنهما محكومان بالحوار. وعلى عكس ما هو معلن من كلام متكرر للمستقبل، على خلفية العلاقة بين حزب الله ودول الخليج، هناك مساحة للحوار باتت مطلوبة، وهناك خلفيات معروفة لضرورة عقد اللقاء السني ــــ الشيعي، منها ما هو مرتبط بالعوامل المحلية نتيجة تدهور الاوضاع الامنية وارتفاع خطر التنظيمات الاصولية، ومنها ما يتصل بالوضع الاقليمي وعلاقات الدول الخليجية مع ايران.
لكن، ايضاً، هناك جوانب اخرى لهذا الحوار. بالنسبة الى الحزب، لا مطالب محددة لديه من حوار يجري على ايقاع مضبوط، نتيجة الضغوط العربية في ما يتعلق بالوضع السوري، والمرونة التي أبدتها ايران مع الدول العربية في الاونة الاخيرة.
يجلس الحزب على الطاولة مع المستقبل، ولا يضعان كل الاوراق فوقها. حتى الآن، من يعرض مطالبه هو تيار المستقبل، وأهمها بندان ضروريان: الاول السير في الخطة الامنية التي أُعلنت في طرابلس وينتظر تمددها الى البقاع وضرورة تسريعها، والثاني البحث في وضع سرايا المقاومة التي يريد المستقبل سحبها من المناطق ذات الاغلبية السنية. ويدور النقاش حول هاتين النقطتين فيستهلك الوقت الميت حاليا، من دون ان يصل الطرفان الى تقاطع ملموس وجدي للاتفاق، مما يبقي الحوار في المربع الاول الاساسي.
يحاول المستقبل كسب الوقت وتسجيل النقاط في الحوار لمصلحته، من اجل تحقيق المزيد من المكاسب الداخلية. فهو يدرك ان حزب الله، اليوم، في وضع مأزوم نتيجة تدخله في سوريا ووقوعه بين ضغط العمل العسكري من جهة، وتصاعد خطر التنظيمات الاصولية ضده من جهة اخرى. في وقت اضيف الدخول الاسرائيلي على الخط بعد عملية القنيطرة الى عوامل الضغط عليه، وكلما اقترب الخطر الداهم من الحزب، ذهب اكثر الى ملاقاة الطرف السني داخلياً، من اجل حماية ظهره، فلا يضطر الى فتح جبهات عدة في الوقت نفسه، بحسب ما يختصر احد السياسيين المطلعين. وهي ليست المرة الاولى التي نشهد فيها ارتداداً للحزب نحو الداخل، كل مرة شعر فيها باقتراب الخطر منه اقليمياً او محلياً، كما يحصل اليوم مع تصاعد خطر تنظيم «داعش» وارتداداته عليه بعمليات انتحارية، فضلا عن حاجة ايرانية الى تطبيع العلاقة مع دول الخليج والسعودية في مقدمها، الامر الذي يسمح بحالة حوارية تبدو في ظاهرها خدمة للطرفين من أجل تهدئة الشارع والخطاب السني ــــ الشيعي المتشنّّج.
ما يقال اليوم كلازمة عن تدخل حزب الله في سوريا يخاطب شارع المستقبل ليس الا


يريد حزب الله الحوار لتخفيف عوامل الخطر المحدقة به. ولأن الطرف السني يدرك حاجة الحزب الى الاحتماء به في وقت الازمات، يحاول كسب الاثمان من جراء الحوار الثنائي. ما ظهر في الاشهر الاخيرة، لا بل منذ تأليف الحكومة، ان المستقبل يحصّل ما يريده، ويحصن مواقعه الحكومية (بتسمية من اراده رئيساً لها)، والوزارية (بنيله الحقائب التي اصر عليها)، والنيابية (رفض اجراء الانتخابات والتمديد للمجلس النيابي)، والادارية والامنية والعسكرية في كثير من المحطات الاساسية. لا تضاهي مكاسب المستقبل في حكومة الائتلاف الحالية، المكاسب التي تحققت ايام كان الرئيس سعد الحريري او فؤاد السنيورة في السرايا الحكومية، لا بل انها تفوقها بأشواط، وخصوصاً مع حصوله على مهادنة وموافقة على مطالبه في الحكم، من أخصامه السياسيين من الحزب والتيار الوطني الحر.
يستفيد المستقبل، اليوم، من وضع حزب الله الذي يحارب على اكثر من جبهة. ويخطئ من يقول اليوم ان التيار مستعجل لخروج الحزب من سوريا وعودته الى لبنان. كل ما قيل مع بداية تدخل الحزب في سوريا ، لم يعد له مردود سياسي. وما يقال اليوم كلازمة عن هذا التدخل، وتأثيره على مجريات الوضع اللبناني، هو لمخاطبة شارع المستقبل ليس الا.
منذ ثلاثة اعوام والحزب يعيش المأزق السوري، ويغرق اكثر في تفاصيله، ومع كل يوم او شهر او سنة، يزداد غرقه اكثر في سوريا، وتتعدد الجبهات التي يحارب عليها بتعدد اعدائه: مع المعارضة السورية ومن ثم مع «النصرة» ومع «داعش». يعتقد المستقبل ان غرق الحزب في سوريا يساهم في اضعافه محلياً وعربياً، وبقدر ما يبقى الحزب مشغولاً في سوريا، منصرفاً الى تنظيم قواته وتركيز جبهاته التي أصبحت تقليدية فيها، ويزيد من المشاركة في فتح جبهات جديدة، يخفّ خصامه مع اطراف الداخل وحضوره المحلي، فيرتاح المستقبل اكثر فأكثر الى ادارة دفة الوضع الداخلي. ولا يبدو مطلقاً انه منزعج من استعادة موقعه، وأكثر، في تركيبة الحكم، بعد غياب.
قبل القنيطرة وما بعدها، تكبر مساحة الارتياح الى انشغال الحزب في سوريا، ويأتي الحوار المطلوب اقليمياً ومحلياً ليضاعف من رغبة المستقبل في استثماره. لا يعني هذا ان الحزب سلم كل اوراقه، لكنه اليوم في مرحلة حوارية ومهادنة تترك اثرها في البلد، برغم خلفيات مكبوتة للطرفين المتحاورين. واذا طالت فترة هذا الحوار، قد تكون ثمة فائدة ايجابية فيها في الانتقال من محاولة تخفيف التوتر السني ــــ الشيعي الى البحث في رئاسة الجمهورية، اذا سمحت العوامل الاقليمية باطالة الهدنة بين ايران والسعودية، في ظل تعدد مواضيع الخلاف والتهدئة بينهما حيث هما لاعبان اساسيان، وآخرها اليمن.