كلّف مجلس الإنماء والإعمار، أخيراً، مكتباً هندسياً لإعداد دراسة لإنشاء مرأب كبير للسيارات مكوّن من 3 طبقات تحت ساحة التل وسط المدينة. أثارت هذه الخطوة ردود فعل رافضة، إذ كانت مطروحة قبل سنوات، انطلاقاً من مطلب مزمن يرمي إلى تخفيف الازدحام في وسط طرابلس الحيوي. وطلبت بلدية طرابلس في عهد رئيسها السابق رشيد جمالي (2004 ـ 2010) من مكتب هندسي في المدينة إعداد دراسة لهذا المشروع، لكنها دخلت الأدراج ولم تخرج منها.
إعادة طرح المشروع مجدداً، أثارت تساؤلات عدة: لماذا لم يُستعَن بالدراسة السابقة؟ وما هو موقف البلدية من عدم إعلامها به؟ الإجابة الجاهزة على لسان رئيس البلدية نادر غزال، وأغلب الأعضاء، أن «القانون يمنح مجلس الإنماء والإعمار تنفيذ مشاريع معينة من دون حصوله على موافقة مسبقة من أي بلدية، وأنه يكتفي فقط بإطلاعها لاحقاً على ما ينوي تنفيذه». هذا الغموض دفع ناشطين في «نادي آثار طرابلس» وفي «الحملة المدنية لإنقاذ آثار وتراث طرابلس»، إلى تنظيم حملة تدعو إلى رفض مشروع مرأب السيارات المزمع إنشاؤه وسط ساحة التل، وإلى إعادة بناء السرايا القديمة مكانه، كي تكون صرحاً ثقافياً وفنياً ومسرحاً للمدينة. أولى خطوات هذه الحملة تمثلت في إنشاء صفحة على «الفايسبوك» تتضمن عريضة ليوقّعها رافضو المشروع، وقد حصدت حتى الآن مئات التواقيع، بحسب رئيس لجنة الآثار والتراث في بلدية طرابلس المهندس خالد تدمري.
ليس منطقياً استغلال
وسط مدينة طرابلس لإنشاء مرأب للسيارات تحته

يقول تدمري إنه «ليس منطقياً استغلال وسط مدينة طرابلس لإنشاء مرأب للسيارات تحته، لأنه سيتحول إلى مستنقع وبؤرة للفوضى وتجمّع للنفايات، كما هي حال محطة شارل حلو في بيروت. كذلك إن مشروع سقف نهر أبو علي، الذي لم يستكمل بعد، جعلنا نتيقن أن مشروعاً من هذا النوع سيلقى المصير ذاته من الفوضى والتنفيذ الاعتباطي». ويوضح أن «إقامة مرأب من ثلاث طبقات تحت الأرض، يحتاج إلى شبكة من الطرقات والأنفاق والجسور ليست موجودة في ساحة التل، فضلاً عن أنّ إنشاءها ليس ممكناً، لأن الساحة مختنقة من كل الجهات، وأساسات الأبنية المحيطة بالساحة، وقسم كبير منها تراثي، ليست قوية، ومن شأن أعمال الحفر في الساحة أن تصيب أساسات هذه الأبنية بالتصدّع وربما الانهيار». يشير إلى أن «أغلب تصاميم التخطيط المدني الحديث تعمل على نقل الازدحام من وسط المدينة والتخفيف منه، بينما نحن نعمل بالمقلوب».
يبدي تدمري خشيته من أن «يكون وراء الإصرار على تنفيذ المشروع جهات سياسية ومالية نافذة تريد الاستفادة منه مالياً»، بعدما بثّ بعض من يؤيد المشروع (نواب في تيار المستقبل ومتمولون متعدّدو الانتماء) شائعات أنه «إذا لم ينفذ المشروع فإن التمويل المخصص له سيطير، وستُحرَم المدينة مشروعاً إنمائياً». يردّ تدمري: «نحن ضد تطيير أي مشروع تنموي لطرابلس، إنما لا نريد بالمقابل تنفيذ مشروع يعود بالضرر عليها أكثر من النفع».
الجدير بالإشارة أن رجل الأعمال طه ميقاتي، شقيق رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، أبدى استعداده في عام 2006، بعد احتفال أقيم يومها بمناسبة مرور 130 سنة على تأسيس ساحة التل، لإعادة بناء السرايا العثمانية التي هُدمت عام 1968. وطلب لهذه الغاية خرائط وصور من بلدية طرابلس، لكن «يبدو أن ضغوطات مورست عليه وجعلته يتراجع عن تنفيذ الفكرة»، وفق قول تدمري.