صنعاء | يبدو أن الفايسبوك في اليمن لم يعد تلك الساحة التي كانت تتيح للنّاس تثبيت تواصلهم الاجتماعيّ وتقريب المسافات بين أولئك الذين يقيمون خارج بلدهم والذين في الداخل. لم يعد تلك المساحة التي كانوا يتبادلون على صفحاتها أخبارهم ونقل صور مناسباتهم الخاصة وتهانيّ أعياد ميلادهم. لم يعد الفايسبوك تلك الوسيلة التي كانت طريقة لسخريّة أهل اليمن الحزين من أحوالهم ومن سلوكيات الزعماء الذين يحكمونهم.
لم يعد ذلك الموقع الأزرق أحد تلك الأدوات التي استخدمها شباب "الربيع" إياه للتخلّص من رئيس غير «صالح» ظلّ جالساً على رأس البلاد طوال 33 عاماً.
لقد انقلب الفايسبوك وتحوّل إلى ساحة لبّث الفرقة والنعرات الطائفية والمناطقيّة وتمييز الناس بناءً على زمرة دمائهم. لقد صار شكلاً من أشكال الحروب الأهليّة التي يجري فيها تكوين حواجز من أجل اصطياد الكائنات بناءً على أسماء المناطق المكتوبة على بطاقات هويّاتهم. هل نجح الفايسبوك في فضح الكثير من دواخل مستخدميه في اليمن وتعرية عصبيّاتهم؟
جريمة التفجير الانتحاري الذي وضع في مطعم "أبو عمران" في جبل محسن في منطقة طرابلس (لبنان)، تبدو مثالاً طازجاً على مدى السعار الطائفي والمذهبي الذي بلغه مستوى النقاشات على هذا الفايسبوك اليمنيّ. لقد سرت شائعة ونُشرت إثر حدوث الواقعة مباشرة قالت بأن مرتكب الجريمة هو شابّ يمنيّ دخل لبنان عبر الحدود مع سوريا. لكنّ وعلى الرغم من نفي الخبر سريعاً وتأكيد هويّة الفاعلين الحقيقيّين، غير أن ذلك النفي لقى تجاهلاً من قِبل أهل الفايسبوك في اليمن كأنه لم يصدر.
لقد استمّرت نقاشاتهم التي انطلقت بشكل مباشر إثر انفجار تلك الشائعة، وظلّ هواة الملاسنات المذهبيّة نائمين عليها. لقد وجدوا فيها هديّة ولا يجوز ـ بحسبهم ـ أن تذهب بدون استثمار والتمكن من وضعها كنقطة كسب في خانتهم.
وكما هو معروف، فغالبية الشباب الذين تركوا اليمن للمشاركة والانخراط في جيش «النصرة» في سوريا هم من التابعين لجماعات إسلامية ذات إطار مذهبي ارتبط بجماعة الإخوان المسلمين، وهو الأمر الذي وجده شباب من اتجاهات مذهبية مغايرة فرصة لنيل من خصومهم. وعلى هذا، يمكن قياس شكل معارك طائفية بالاتجاه المعاكس. كل جبهة مذهبية تبحث عن سقطة في مساحة الجبهات الأخرى، والعمل على استغلالها بأقصى طريقة ممكنة من أجل كسب نقاط جديدة في المعركة. مسألة عملت على إضعاف الحساسيّة الإنسانيّة تجاه جرائم ومجازر تحصل بين وقت وآخر، فانخفضت درجة الشعور بمدى فداحتها وتأثيرها الفاجع على السلم الاجتماعي وانحسار الملاسنات في بحث كل جبهة طائفية دلائل تساعدها على إثبات تورط الجبهة الأخرى في هذه المجزرة أو تلك في حين استقرت كرامة الدماء اليمنيّة التي تسال والأرواح التي تُزهق على الهامش.
في بداية الشهر الأخير من العام المنصرم، حصلت مجزرة في إحدى مناطق الوسط في اليمن سبّبها صاروخ استقر في قلب حافلة مدرسيّة أزهق أرواح تلميذات كُنّ بداخله مع حقائبهنّ وأحلامهن الصغيرة. كان يوماً أسود ومجزرة غير مسبوقة في البلاد. لم تُعلن حالة حداد رسميّة في حين تفرغت الجبهات المذهبية على الموقع الأزرق لحروبها وانشغلت في تحميل قوّات بعضها بعضاً مسؤولية ما جرى. وعليه، يبدو أن الفايسبوك قد نجح في تحويل "ربيع" اليمنيين إلى شتاء قاس، يبدو أنه سيطول.