لم تثمر جهود أساقفة زحلة في تخفيف حال التشنج التي تعيشها مدينة زحلة على خلفيّة حصول آل فتوش على ترخيص بإنشاء معمل لإنتاج الترابة في سهل المدينة. فالمساعي التي بذلها المطران عصام درويش في هذا الشأن، لم تقنع رئيس الكتلة الشعبيّة النائب السابق إلياس سكاف بالعدول عن موقفه الرافض للمشروع، وعن متابعة تحركه من خلال تنظيم لقاء شعبي، عصر أول من أمس في فندق «القادري»، جمع فيه الأضداد في السياسة من نواب ووزراء حاليين وسابقين، وفعاليات حزبية واقتصادية واجتماعيّة وخبراء في البيئة، تحت عنوان «لا لتهجير أهالي قضاء زحلة».
هل يتراجع آل فتوش عن مشروعهم بإقامة مطاحن للإسمنت في سهل زحلة؟ وما الأسباب الحقيقية التي دفعت بالخصوم لتلبية دعوة سكاف؟ وهل تشهد المراحل المقبلة خلطاً للأوراق على الساحة الزحليّة؟ هذه وغيرها من الأسئلة، بدأت تطرح نفسها بقوة في عاصمة البقاع، ولا سيما بعد الحضور اللافت للنائب عاصم عراجي ممثلاً للرئيس سعد الحريري في اللقاء الذي غاب عنه نواب المدينة (باستثناء عراجي) وأي ممثل لحزب الكتائب، وشارك فيه الوزيران السابقان خليل الهراوي وسليم جريصاتي، ومختار حوش الأمراء جوزف مزرعاني ممثلاً القوات اللبنانيّة، وشخصيات ووجوه زحليّة وبقاعيّة لا تدور في فلك سياسة الكتلة الشعبية.
وفي السياق، علمت «الأخبار» من مصادر مقربة من سكاف أن الأخير تلقى، أول من أمس، اتصالاً هاتفياً من الرئيس الحريري، أبلغه فيه دعمه الكامل لما يقوم به من خطوات على هذا الصعيد.
يذكر أن تبايناً ساد مواقف بعض أعضاء تكتل الإصلاح والتغيير من الخلاف السكافي ـــ الفتوشي المتجدّد. فبعد إعلان النائب السابق سليم عون، في مقابلة تلفزيونية، «وقوفنا على الحياد في انتظار المزيد من الدراسات واستمزاج آراء خبراء البيئة حول ما يمكن أن يخلّفه المشروع من أضرار صحيّة»، تاركاً للجهات المعنيّة بتّ الموضوع، وضع حضور جريصاتي اللقاء الذي دعا اليه سكاف علامات استفهام، علماً أن جريصاتي نقل، خلال اللقاء، تحيات العماد ميشال عون الى زعيم «الكتلة الشعبية»، واصفاً إياه بـ «الزعيم الزحلي»، فضلاً عن مطالبته وزير الصناعة حسين الحاج حسن بالتراجع عن القرار بالترخيص.
غاب نواب المدينة باستثناء عراجي عن لقاء سكاف وشارك الهراوي وجريصاتي
وأوضح جريصاتي لـ «الأخبار» أن ما قصده هو «تمنيات على الوزير الحاج حسن بأن يعيد النظر جزئياً أو كلياً بما يمكن أن يخلّفه المشروع من أضرار بيئية أو صحيّة على سكان المدينة»، نافياً وجود أي تباين بينه وبين النائب السابق عون، مؤكداً أن أحداً من أعضاء تكتل التغيير والاصلاح «لا يخرج عن توجهات العماد عون. وما صرّح به زميلي، كما علمت، يندرج في إطار التخفيف من التشنّج ومحاولة لمعالجة الأمر ضمن الأطر القانونيّة، مع مراعاة صحة أبناء المدينة والجوار، وأعتقد بأن عدم مشاركته في اللقاء يصبّ في الاتجاه نفسه» .
من جهته، قال عراجي لـ «الأخبار» إن «مشاركتي في اللقاء ممثلاً للرئيس الحريري لا تخرج عن إطار المحافظة على البيئة، لا نكاية بآل فتوش أو بغرض الاستثمار السياسي والانتخابي». وأوضح أنه بعد تكليفه تمثيل الحريري، اتصل برئيس كتلة نواب زحله النائب طوني أبو خاطر ووضعه في الأجواء، و»لم يبد أي أعتراض هو وباقي الزملاء، لا بل حبذ القيام بأية خطوات تصبّ في مصلحة المدينة وقضائها». وعما اذا كان ممكناً البناء على هذه الخطوة للتقارب بين تيار المستقبل والكتلة الشعبيّة؟، أجاب: «لا شيء مستحيلاً في السياسة».
في السياق، أوضح مصدر في الكتلة الشعبيّة أن زيارة سكاف الى الكاردينال بشارة الراعي لوضعه في أجواء تحركه، جاءت بعد لقاء جمع أساقفة المدينة في دار مطرانيّة سيدة النجاة، «ووقوفهم على الحياد بعد فشل مساعيهم لترطيب الأجواء». وأضاف: «نتفهم حيادية أصحاب السيادة في القضايا السياسيّة، لكن لا يمكنهم التغاضي عن أمور تتعلق بصحة المواطن»، مؤكداً ان الدعوات الى اللقاء اول من أمس وجّهت الى جميع الأفرقاء السياسين والحزبيين وفعاليات المدينة والقضاء، بـ «استثناء آل فتوش». وكان اللقاء الذي حضره خبراء بيئيون شرحوا خلاله الأضرار الصحيّة التي قد تنجم عن إقامة معمل الإسمنت، قد عقد وسط إجراءات أمنية مشددة نفذتها قطعات من قوى الأمن الداخلي، بمؤازرة دوريات مؤللة تابعة للجيش.