القاهرة | يدفع الأطفال والقُصََّر، في مصر، أياماً وأشهراً من أعمارهم يقضونها في السجون السياسية، ثمناً لصراع دائم منذ أربع سنوات، بدأ في «ثورة يناير 2011»، وأصبحوا من بعدها وقوداً لكل المواجهات الثورية، حتى سالت دماؤهم على الطرقات، خلال العامين الأخيرين، وتعرضوا للاعتقال والتنكيل في زنازين سلطة طالما قاوموها. ومنذ فضّ اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، في «رابعة العدوية»، كان للقُصّر نصيب الأسد من حملة القمع التي شنتها الدولة، فاحتجزواعلى ذمة قضايا لمدد طويلة، كذلك صدرت بحقهم أحكام قاسية بالسجن جراء مشاركتهم في تظاهرات سياسية، حتى إن عدداً كبيراً منهم ألقي القبض عليه عشوائياً، أو اعتقل من أجل الضغط على أحد أقربائه ليسلم نفسه.
ورغم نص المادة 70 من دستور عام 2014 على منع احتجاز الأطفال إلا لمدد محدودة، ووجوب توفير المساعدة القانونية والاحتجاز في مكان مناسب لهم، وتصنيفهم وفق نوع الجريمة ومراحلهم العمرية، وأيضاً إبعادهم عن أماكن احتجاز البالغين... فإن ذلك لا يحدث في الواقع، وفق المحامي في «المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة»، علاء راعي، الذي قال إنه «لا أحد في الدولة يهتم بتطبيق القانون الخاص بالأطفال». وأضاف راعي لـ«الأخبار» أن «الدولة تحتجزهم مع البالغين وتعرّضهم لكل أنواع التعذيب والتنكيل والمعاملة القاسية، التي يتعرض لها البالغون».
يُمنع القاصرون من تقديم الامتحانات على خلاف قرار وزير الداخلية

وقبل أيام قليلة، كشف مركز «النديم لتأهيل ضحايا العنف» احتجاز ما يقارب 600 قاصر في معسكر تابع للأمن المركزي في مدينة بنها. كذلك أشار إلى أن أعمار الأطفال المحتجزين تتراوح بين 14 و17 سنة، وهم متهمون في قضايا تظاهر من دون ترخيص، والانتماء إلى جماعة محظورة. في هذا الإطار، قال المحامي في مركز «النديم»، حليم حنيش، الذي قابل أربعة من أهالي الأطفال المحتجزين، إن «الأهالي لا يرون أولادهم، ولا حتى المحتجزون داخل المعسكر يرى بعضهم بعضاً، لأنه لم يُسمح لهم بالخروج لساعات التريّض المنصوص عليها في القانون سوى مرة واحدة». ولفت حنيش إلى أن «الحصر الذي أصدره المركز غير دقيق، لأنه لا أحد يستطيع الدخول إلى المعسكر»، وبالتالي فإن «عدد المحتجزين داخله قد يكون أكبر من ذلك».
في السياق، أوضح المحامي راعي الذي يعمل على قضيتين تتضمنان 9 أطفال من المحتجزين في المعسكر، أنه «برغم حصول الأهالي على إذن من النيابة لزيارة أولادهم، فإن المعسكر يرفض السماح لهم بذلك»، مشيراً إلى أن «بعض القُصََّر وصلت مدة احتجازهم إلى سبعة أشهر».
على طرف مقابل، يقول اللواء محمود يسري، الذي يشغل منصب مدير أمن القليبوبية التابع لها المعسكر، لـ«الأخبار»، إن «هؤلاء القاصرين محتجزون داخل المعسكر بقرار من النيابة، لاتهمامهم بحرق سيارات شرطة والتظاهر من دون تصريح»، نافياً ما جاء في تقرير «مركز النديم» أن احتجازهم غير قانوني أو أن أهاليهم لا يستطيعون رؤيتهم.
ومع ذلك، فإن الاحتجاز والحبس الاحتياطي ليسا أسوأ ما يتعرض له الأطفال. ففي نهاية تشرين الثاني الماضي، قضت محكمة «جنح مستأنف الطفل» في الإسكندرية، بحكم جامع على ٧٨ قاصراً بالسجن، لمدة تتراوح بين عامين وخمسة أعوام، وذلك بعد اتهامهم بالتظاهر من دون تصريح، والتجمهر، والانتماء إلى جماعة محظورة، وهؤلاء تتراوح أعمارهم بين ١٣ و ١٨ سنة.
وقال والد أحد الأطفال الذي صدر الحكم بحبسه لمدة خمس سنوات، إنه قبض على ابنه بطريقة عشوائية، وهو عائد من أحد دروسه، لمجرد أن «مسيرة تابعة لجماعة الإخوان كانت قريبة من مكان وقوفه». ورفض الأب نشر اسمه في أي وسيلة إعلامية، كأغلب أهالي القُصَّر المحتجزين، تحاشياً لأي معاملة سيئة قد يتلقاها ابنه، وتتمثل في «حجزه مع متهمين جنائيين واعتداءات بدنية متكررة منهم بتحريض من الحراس، فضلاً عن منعهم من الكلام والالتفات لوقت طويل، وسرقة أغراضهم من الزنازين»، كما يضيف الأب.
ورغم قرار وزير الداخلية الصادر الثلاثاء الماضي بالسماح للطلاب المحتجزين بأداء الامتحانات، لكن هذا الأب قال إنهم «داخل المؤسسة العقابية أجبروا ابنه على التوقيع على إقرار بأنه لن يؤدي الامتحانات، رغم أنه قانوناً لا يُعترف بتوقيعه».
في سياق متصل، قالت الناشطة مروة عرفة، من مؤسّسة مجموعة «الحرية للأطفال» التي تعمل على تجميع وتوثيق قضايا القُصّر المحتجزين ونشرها، إن مجموعتها «رصدت ما يزيد على 1000 طفل قاصر محتجز على ذمة قضايا سياسية». وفي حديثها إلى «الأخبار»، أضافت عرفة: «في البداية كنت أظن أن الموضوع يتعلق بحالات فردية، ولكني وجدت أن حجم الظاهرة كبير، كذلك توصلت إلى نتيجة من تجميع الشهادات والعمل عليها، وهي أن النظام يثأر من هؤلاء الشباب الصغار، لأنه يرى أنهم ممن شاركوا في الثورة التي زلزلت صورته».