يصعب تحديد أيّ من صور رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع السعودية هي الأجمل: صورته مستمعاً في حضرة وليّ العهد السعودي مقرن بن عبد العزيز آل سعود، أو صورته مستفيضاً في الكلام وتحريك اليدين في حضرة رئيس الاستخبارات السعودية خالد بن بندر بن عبد العزيز، أو صورته وهو يستعد لتقطيع علم القوات اللبنانية فوق قالب حلوى، أو صورته يحيّي عشرات المناصرين للقوات كأنه في ملعب فؤاد شهاب محيّياً آلاف المناصرين.
بعيداً عن الصور، يمكن وضع التعليقات المواكبة للزيارة في ثلاث خانات:
أولاً، تعزيز ثقة جعجع بمكانته في المملكة. يروي أحد الوزراء السابقين في هذا السياق أن مقربين من النائب سامي الجميّل توقفوا إثر زيارته الأخيرة للسعودية عند بؤس الفندق ولامبالاة المضيفين بالضيف، وعدم تجاوز مدة اللقاءات الرسمية ساعة واحدة. أما جعجع، فتوقف عند لقاء الجميّل وليّ العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز، الأهم من حيث الموقع ممن يلتقيهم «الحكيم» عادة، وهو الذي فعل كل ما طلبته المملكة منه خلال 8 سنوات ليكون الممثل الوحيد لمسيحيي 14 آذار. الجميّل لم ينتبه، كعادته، إلى رمزية استقباله على هذا المستوى، خصوصاً أن اللقاء مع وليّ العهد رتّبه أحد رجال الأعمال اللبنانيين لا القنوات السياسية أو الاستخبارية بين البلدين.
العلاقة بين جعجع والسعودية نحو
شراكة «استراتيجية»؟


ولم يلبث النائب الكتائبي أن عاد إلى بيروت ليعارض التمديد للمجلس النيابي، مبدياً في جولاته المناطقية استعداداً للبحث في تعديل النظام السياسي، في ظل إبداء الرئيس أمين الجميّل ملاحظات علنية في مقابلاته التلفزيونية على مقاربة الرئيس سعد الحريري للاستحقاق الرئاسي. أما جعجع فوافق على التمديد رغم كلامه السابق وعدم شعبية التمديد وحساباته الانتخابية المتفائلة، مبرراً موقفه بوجوب حماية الطائف من مخاطر الفراغ. وفي وقت كان فيه رئيس الكتائب يحزم حقائبه لزيارة الجنوب بالتنسيق مع حزب الله، كان رئيس القوات يحزم حقائبه لزيارة السعودية للقاء من سبق للجميّل الابن لقاءهم (وليّ العهد ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل والرئيس سعد الحريري)، إضافة إلى رئيس الاستخبارات السعودية، علماً بأن وسائل إعلام القوات حرصت على القول إن لقاء جعجع ومقرن كان متفقاً عليه منذ الزيارة الأخيرة للأخير للسعودية، في مسعى من جعجع للقول إن مكانة الجميّل لا تتقدمه أبداً، وأن ما حصل كان مجرد خطأ أوقع أحد رجال الأعمال صديقه مقرن به.
ثانياً، تثبيت الشراكة السعودية – الجعجعية. يشير أحد الدبلوماسيين السابقين في هذا السياق إلى أن إنهاء المملكة علاقتها مع بعض السياسيين اللبنانيين وتجميدها مع بعضهم الآخر وتراجع نشاط دبلوماسيتها مصحوباً مع سحبها لممثلها في لبنان، الرئيس الحريري، حتى إشعار آخر، كلها تصبّ عند مضاعفة اتّكال السعوديين على جعجع. ولا شك، بحسب المصدر نفسه، في أن إلزام المملكة بدخول منظومة محاصرة التكفيريين وقطع مواردهم المالية من جهة واستعداد الحريري لمحاورة حزب الله من جهة أخرى، لا يبقي للسعوديين غير جعجع يُعوّل عليه في ملفات كثيرة، ما يحوّله، برأي الدبلوماسي اللبناني، من أداة تستخدمها السعودية إلى شريك استراتيجي تستعين به المملكة لتحقيق مصالحها كما يستعين بها لتحقيق مصالحه. وبعيداً عن سماح المملكة، في ظاهرة غير مسبوقة، لأنصار القوات بتنظيم احتفال حزبي على أراضيها ترحيباً بجعجع، لا بد من التدقيق جيداً في كل ما كان يشيعه مسؤولو المستقبل عن برودة سعودية في التعامل مع رئيس حزب القوات. ولعل السؤال الرئيسي – بحسب المصدر الدبلوماسي دائماً – يتعلق بموقف الحريري من هذا الترحيب الحار بجعجع، فيما ينتظر الحريري المناسبات العائلية للقاء الأمير مقرن.
ثالثاً، استطلاع آفاق الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل. يشير أحد النواب العونيين هنا إلى خشية جعجع من أن يدفع لاحقاً، ومجدداً، ثمن التفاهم بين حزب الله وتيار المستقبل كما حصل إثر الاتفاق الرباعي عام 2005 والتفاهم السعودي – السوري عام 2009 وتشكيل الرئيس تمام سلام لحكومته عام 2014 وغيرها. وكان جعجع قد بلغ في خشيته، بحسب المصدر نفسه، حدود طرق باب عون، ظناً منه أن الجنرال الذي يرفض البحث مع الولايات المتحدة وتيار المستقبل وما بينهما عن مرشح ثالث، «سيبيعها» لجعجع، علماً بأن كل القوى، باستثناء القوات، قادرة على تقديم عروض لعون مقابل تخليه عن الرئاسة. وفي السياق نفسه، أرسل جعجع مرشحاً رئاسياً ومطراناً إلى حزب الله علّهما يعودان إليه بمعلومة أو نيّات مبيّتة. وعليه، يرى المصدر العوني أن حوارات جعجع ستسمح له بأن يقدّر ما إذا كانت هناك كلمة سر رئاسية، فيحاول تعديل مواقفه قليلاً ولعب دور إيجابي في الاستحقاق الرئاسي، وخصوصاً أن خلاصة ما حمله الموفدان الفرنسي والروسي إلى بيروت، الأسبوع الماضي، معطوفاً على تصريح السفير البابوي غبريالي كاتشا، توحي بوجود رغبة دولية في انتخاب رئيس للجمهورية، مماثلة للرغبة الدولية قبل بضعة أشهر في تشكيل الحكومة، إضافة إلى أن جوائز الترضية التي يمكن منحها لعون اليوم مقابل تخلّيه عن الرئاسة لن تكون متوافرة بعد بضعة أشهر.