ظهر مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات أوائل الستينيات من القرن الماضي في بعض الكتب الخاصة بالشركات، مثل "المسؤوليات الاجتماعية لرجال الأعمال" للكاتب بوين سنة 1953، وكتاب "الشركة المسؤولة" للكاتب غويدر سنة 1961. ثم نما وتطور خلال السنوات اللاحقة ليأخذ أبعاداً متعددة.
حالياً، تعد خبرة لبنان في مجال "المسؤولية الاجتماعية" قصيرة جداً نسبة إلى البلدان الغربية. فهذا المفهوم يسعى إلى جعل الشركات اللبنانية تستثمر في المجال الاجتماعي حيث تقدم برامج للمساعدات المادية والعينية، وتقوم على توفير الوظائف للعاطلين من العمل وتهتم بذوي الاحتياجات الخاصة.
في شرحه للموضوع، يشدد رئيس مجلس إدارة شركة CSR Lebanon، وهي من أوائل الشركات التي استقدمت هذا المفهوم إلى لبنان، خالد القصار، على أن هناك فرقاً كبيراً بين الخدمة المجتمعية للقطاع الأهلي وبين المسؤولية الاجتماعية للشركات. ويوضح "أن مفهوم الشركات المواطنة جزء أساسي من استراتيجيات إدارة الشركات في هذا العصر، وهو يتعلق بدور مجالس الإدارة مباشرةً، وعلى المدى الطويل في تحقيق التنمية المستدامة"، لافتا إلى أن ذلك قاد إلى إبداع لدى عدد من الشركات في صناعة البرامج التي تؤدي من خلالها مسؤوليتها الاجتماعية تجاه حقوق الإنسان والمجتمع والصحة والتعليم وغيرها.
وفي لبنان، لا يزال مجال تطبيق المسؤولية الاجتماعية للشركات ضيقاً رغم ارتفاع وتيرة الحديث عنه والعمل على نشر ثقافته لدى عدد كبير من مجالس الإدارة.
عن ذلك، يقول رئيس مجلس إدارة شركة "ألفا" مروان حايك: "إن مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان لا يزال يطبق في مجال ضيّق، إلا أن ما نشهده عاماً بعد عام يثبت صحة القول بأن الشركات اللبنانية بدأت تهتم بالمسؤولية المجتمعية".


التأثير الاقتصادي

مما لا شك فيه، أن تطبيق المسؤولية الاجتماعية (CSR) للشركات بنحو أوسع تؤثر إيجاباً في الاقتصاد اللبناني، خاصة من قبل الشركات الكبيرة والمصارف على وجه التحديد.
ويهدف مفهوم الـCSR من حيث المبدأ إلى تحسين قطاعات التعليم والصحة والعمل ومساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة على الاندماج في المجتمع اللبناني وإيجاد فرص عمل لائقة بهم، ويؤدي كذلك إلى توفير بيئة أفضل ومحميات طبيعية.
في لبنان، لا يزال مجال
تطبيق المسؤولية
الاجتماعية للشركات ضيقاً رغم ارتفاع وتيرة الحديث عنه

وعن ذلك، يرى حايك أن المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان اليوم تؤثر عند جهات معنية، ولا سيما الجمعيات التي تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة، لأن إمكاناتها غالباً ما تكون محدودة، مشيراً إلى أن ما تقوم به "ألفا" وغيرها من الشركات أمر أساسي بالنسبة إلى هذه الجهات، خاصة أن إمكاناتها ضئيلة جداً، "وما تقدمه ألفا جزء بسيط من أرباحها، إلا أنه يشكل أمراً مهماً بالنسبة إلى تلك الجهات، وخاصة في ظل غياب الدولة عن موضوع التقديمات الاجتماعية".
من جانبه يشدد مؤسس جمعية Aie Serve عفيف طبش، على ضرورة توسيع تطبيق هذا المفهوم، لأن العمل في الوقت الحاضر يقتصر على التبرع بالمال للمحتاجين، وهو لا يُعَدّ عملاً محترفاً كعمل الشركات المحترفة.
ويؤدي العمل على نشر مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان دوراً مهماً في إيصال القطاع الخاص إلى أعلى المعايير الدولية من حيث الإنتاجية والتنافسية والربح وتوفير فرص عمل للشباب.
وفي هذا الإطار، يلفت طبش إلى أن هدف المنظمات غير الحكومية هو الإسهام في نشر المسؤولية الاجتماعية والعمل عليها ودعم المجتمع من خلالها ومساعدة الشركات على تنفيذ خططها واستراتيجيتها، ولفت إلى أن Aie Serve شريكة للقطاع الخاص وتعمل معه من خلال استقدامه إلى العمل الاجتماعي، وشدد على أنها تسعى إلى الاستفادة من تجربته العملية، وليس فقط منحه الأموال والقروض لمساعدة الآخرين.
وتسعى الجمعية حالياً إلى التركيز على قدرات الشباب وبنائها كي يستطيعوا أن يكونوا فاعلين في المجتمع، وبالتالي إيجاد وظيفة ملائمة لهم وتدريبهم على سوق العمل.


مصرف لبنان

في لبنان اليوم ينفّذ عدد كبير من الشركات والمصارف الكثير من المشاريع الإنمائية لتطبيق مفهوم مسؤوليتها الاجتماعية. وحول ذلك، يشير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى "أن الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة، وما كان لها من عواقب على المستوى الاجتماعي، زعزعت ثقة المستهلك في قطاع الأعمال". ويتابع: "أصبح لدى المصارف المركزية دور مهم في اقتصادات العالم من خلال مساندة الحكومات في خلق الظروف المواتية لتحقيق النمو المستدام، وتوفير الإمكانات لإعادة إحياء سوق العمل. فالنمو الاقتصادي يرتكز أساساً على صحة المجتمع وسلامته، والعكس صحيح، إذ لا وجود لمجتمع سليم في غياب الاقتصاد المرتكز على أسس متينة والمواكب للتطورات العالمية".
ويشير سلامة إلى "أن مصرف لبنان أسهم من طريق الحوافز التي قدمها بتعزيز فرص التعليم لنحو 10 آلاف طالب، فضلاً عن الإسهام في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والعيش الكريم من طريق توفير المسكن لنحو 100 ألف عائلة".
وفي الشأن البيئي، أوضح أن حوافز مصرف لبنان شكلت فرصة لإطلاق المشاريع التي تحافظ على بيئة قليلة التلوث والمخاطر وما لذلك من منافع على صحة المواطن، فضلاً عن مشاريع الطاقة البديلة التي لا تقتصر إيجابياتها على صحة المواطنين فحسب، بل لها منفعة اقتصادية، فهي تحقق وفراً بكلفة الطاقة على ميزانية الأسر والمؤسسات والدولة.

ذوو الاحتياجات الخاصة

من جهة أخرى، تركز المسؤولية الاجتماعية للشركات على دمج ذوي الحاجات الخاصة في المجتمع من خلال تأمين وظائف لهم، وقد كفل لهم الدستور والقانون رقم 220/2000 ذلك في المادة 68 التي نصت على أنّ "للمعوق كما لسائر أفراد المجتمع الحق في العمل وفي التوظيف، يكفلها ويفعّلها هذا القانون"، إضافة إلى أن المادتين 73 و74 كفلتا أن تخصص وظائف في القطاع العام للأشخاص المعوقين بنسبة 3% على الأقل من العدد الإجمالي للفئات والوظائف جميعها، كما هي الحال مع القطاع الخاص. ولهذه الغاية، أشار المسؤول في اتحاد المقعدين اللبنانيين رامي القيسي، إلى أن الدمج الاقتصادي الاجتماعي الذي يعمل عليه الاتحاد يُعنى بتوظيف الأشخاص المعوقين ودمجهم في السوق الاقتصادي والمجتمع. وذكر أن المشروع يعمل على أربع مراحل، هي: المجتمع المدني، ذوو الاحتياجات الخاصة، القطاع الخاص والقطاع العام، إضافة إلى متابعة كل القضايا المتعلقة بهم في مجال التوظيف والكوتا وتطبيق القانون 220/2000. كذلك يعمل المشروع على تدريب المعوقين وتنمية قدراتهم لإدخالهم في سوق العمل. وأضاف القيسي أن المشروع يعمل مع الشركات على تطبيق مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات، حيث تلجأ هذه الأخيرة إلى الاتحاد لطلب النصائح والآراء في تطبيق القانون اللبناني، كذلك تعمل هذه الشركات على مبدأ إمكانية الوصول ودمج المعوقين فيها. ويعمل المشروع كذلك على أن تصبح أماكن العمل لدى هذه الشركات مجهزة لاستقبال ذوي الاحتياجات الخاصة.
من جهة أخرى، يحقق مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات تحسيناً للواقع الصحي في لبنان، من خلال تقديم الاستراتيجيات والخطط الكفيلة بإتمام ذلك، إضافة إلى تمويل برامج للتأمين وللاستشفاء.
من هنا يقول المدير العام لجمعية HeartBeat وديع رنّو، إن هدف الجمعية، التي تأسست عام 2005، هو مساعدة الأولاد الذين يعانون من أمراض قلبية، وأضاف أنها تتعاون مع الشركات التي تضع استراتيجيات لتحصيل المال من أجل معالجة الأولاد المرضى. ولفت إلى أن الجمعية قدمت مشروعاً إلى مصرف BLC الذي وضع أفكاراً عدة حول كيف ينبغي أن تكون المسؤولية الاجتماعية الخاصة بهم حول التعليم والتنمية المستدامة، واستطاعت أن تدمج بين هاتين الفكرتين وبين المشروع المقدم من HeartBeat.