من الشائع لدى الكثير من اللبنانيين أن من يأكل في منزله لا يتسمم. هذا ليس رأي الخبراء في مجال الأمن الغذائي. فدليل سلامة الغذاء الذي أعدته الجامعة الأميركية في بيروت، بإشراف د. زينة القصيفي، عام 2013، يميّز بين مفهومين: صحة الغذاء أي القيمة الغذائية للطعام ومكوناته الغذائية، وسلامة الغذاء أي مبدأ تجنب الأمراض المنتقلة بتناول الطعام، من خلال الوقاية أثناء إنتاج وتحضير ونقل وتقديم وتناول الطعام والمواد الغذائية، ومعرفة مدى فائدة أو ضرر الغذاء للجسم لناحية احتواء الطعام على مواد سامة أو بكتيريا أو فطريات.
يعني ذلك أنّ فرص تعرض الناس للتسمم الغذائي داخل المنازل توازي إصابتهم به خارجها، أي في المطاعم والأماكن الأخرى، بحسب الأستاذ المحاضر في كلية الزراعة والعلوم الغذائية في الجامعة د. محمد أبيض.
هكذا، فإنّ معظم المخاطر التي تهدد سلامة الغذاء مصدرها إما بشري أو البيئة المحيطة بالغذاء. وتنقسم هذه المخاطر إلى ثلاثة أنواع رئيسية: المخاطر البيولوجية وتعد الأكثر شيوعاً، إذ تتضمن البكتيريا والفيروسات والطفيليات والفطريات، والمخاطر الكيميائية المتأتية من مواد التعقيم والتطهير والمعادن السامة وبقايا مواد التنظيف والمبيدات على أنواعها، والمخاطر الفيزيائية التي تدخل في الطعام بشكل أو بآخر مثل الشعر والخشب والكرتون والنايلون وقطع الزجاج أو المعادن وغيرها.
لمعدّي الطعام، سواء في المنزل أو في المطعم، دور كبير في نقل الكائنات الدقيقة (البكتيريا) إلى الغذاء، والأمر يبدأ من لحظة شراء المكونات الغذائية من مصادر غير سليمة وغير آمنة، مروراً بطهو الغذاء فتحضيره بأوانٍ ملوثة، وعدم مراعاة الأصول في الحفاظ على النظافة الشخصية.
التأكد من سلامة المصادر ليس مهمة المستهلك، يؤكد أبيض. برأيه، مطلوب إيلاء الدور لهيئة موحدة لإدارة شؤون سلامة الغذاء بدلاً من إعطائه لنحو 7 وزارات لديها صلاحيات متداخلة،
أكثر البكتيريا شيوعاً «السالمونيللا» التي تصيب نحو 2% من السكان سنوياً


البكتيريا تنقسم إلى ثلاثة أنواع؛ منها المفيد ومنها المؤذي ومنها المؤذي جداً


حتى لو تم التنسيق بينها. هذا ما يحصل، كما يقول، في الولايات المتحدة الأميركية وحتى في المملكة العربية السعودية. فإدارة الغذاء والدواء الأميركية (The Food and Drug Administration (FDA )، تضع المواصفات والمعايير لكل الأصناف، وتراقب تطبيقها في كل ما يدخل إلى البلد ويصنّع فيه، سواء في المصانع أو في المطاعم.
في لبنان، لا يمكن الحديث، بحسب أبيض، عن صنف غير مطابق للمواصفات، «إذا كانت المواصفات نفسها غير موجودة، وهي إن وجدت فلبعض الأصناف، وبعضها قديم أكل منه الدهر وشرب». يذكّر بأنّ مشروع إنشاء مثل هذه الهيئة طرح في عام 2003 ثم وضع في الأدراج ليسحب ثانية في عام 2006 ويغيب البحث فيه مرة أخرى.
يرى أبيض أنّه ليس كافياً الإعلان أن الصنف الغذائي غير مطابق، بل المطلوب ذكر نوع المخالفة.
بالنسبة إلى المرحلة الثانية المتعلقة بتحضير الغذاء، يشير دليل الجامعة إلى أنّ عاملي الوقت والحرارة يؤثران في سلامة الغذاء، فيعرّف العلماء درجة الحرارة من 5 إلى 63 درجة مئوية بالمنطقة الخطرة، إذ لا يجوز أن يحفظ الغذاء بين هاتين الدرجتين لأكثر من ساعتين، لأنها ملائمة لنمو وتكاثر البكتيريا المسببة للأمراض. يشرح أبيض أنّ إبقاء الطعام المطهو خارج البراد لا يجب أن يتجاوز أربع ساعات وليس كما يحصل في بعض المنازل، إذ يبقى من الظهر حتى الليل بحجة أنّه لا يزال ساخناً، «فبإمكان ربة المنزل أن تضعه في وعاء أوسع فيبرد بصورة أسرع».
التلوث يحدث عند انتقال الكائنات الدقيقة مثل البكتيريا إلى الغذاء، وذلك من غذاء إلى غذاء ومن الأسطح إلى الغذاء أو من الأواني إلى الغذاء. يعدد أبيض الحالات الشائعة وهي: تلامس الأطعمة النيئة أو العصائر الناتجة منها مع الأغذية الجاهزة للاستهلاك أو الأغذية المطهوة، تلامس الفواكه والخضروات غير المغسولة مع الفواكه والخضروات المغسولة أو مع الأغذية الجاهزة للاستهلاك، إضافة إلى مكوّن ملوث للأغذية الجاهزة للاستهلاك، قيام محضري الغذاء بلمس الأغذية النيئة أو الملوثة ومن ثم لمس الأغذية الجاهزة للاستهلاك من دون غسل أيديهم.
ومع ذلك، فإنّ شراء أفضل المكونات اللازمة لتحضير الطعام وطهو الغذاء بأفضل الطرق سيذهبان هباءً منثوراً، إذا غابت النظافة الشخصية. يقول دليل سلامة الغذاء إنّ معدي الأطعمة مطالبون باتباع الإجراءات المناسبة لغسل اليدين الذي يعد واجباً بعد استعمال المرحاض، لمس الأغذية النيئة، لمس الشعر أو الوجه أو الملابس، العطس أو السعال أو استعمال المحرمة، التدخين أو تناول الطعام أو الشراب، التعامل مع المواد الكيميائية، إخراج القمامة، تنظيف الطاولات أو الصحون، لمس الأواني القذرة أو المماسح المستعملة، ولمس النقود. كذلك يجب على هؤلاء الاستحمام قبل المجيء إلى العمل والمحافظة على نظافة شعرهم بشكل دائم، لأنّ الشعر ينقل البكتيريا المسببة للأمراض. ومن المبادئ العامة للنظافة الشخصية أيضاً: ارتداء شبكة الرأس الواقية، ارتداء ملابس نظيفة كل يوم، ارتداء مئزر نظيف، عدم ارتداء المجوهرات، عدم قضم الأظافر أو استخدام طلاء للأظافر، تجنب الأكل والشرب والتدخين والعلكة، الإبلاغ عن المرض والجروح.
ماذا عن الأمراض المنتقلة بالغذاء؟ من الشائع أن يشعر المرء بالخوف لدى سماعه بالبكتيريا، ولكن في الواقع فإنّ البكتيريا تنقسم إلى ثلاثة أنواع: منها المفيد، ومنها المؤذي ومنها المؤذي جداً. فهناك ما يسمى «Lactic Acid Bacteria» والتي من دونها لا يمكن صنع الأجبان واللبن الرائب واللبنة، وهناك أيضاً الخميرة التي تساعد على صنع الخبز والعفن الذي يدخل في صناعة بعض أجود أنواع الأجبان.
وبالنسبة إلى البكتيريا المؤذية، فمعظمها يتسبب بفساد الغذاء ويمكن التعرف إلى وجودها في الغذاء من خلال انتفاخ المعلبات أو وجود طبقة لعابية على الغذاء أو تغير لون الطعام.
أما البكتيريا المؤذية جداً فهي تؤدي إلى عوارض متنوعة تبدأ من الآلام في المعدة وتنتهي بالموت. ومن أكثر البكتيريا شيوعاً «السالمونيللا» التي تصيب نحو 2% من السكان سنوياً، كما أنها قادرة على البقاء على قيد الحياة حتى عند طهو الطعام بشكل جيد.
ويمكن الوقاية منها بطهو جميع الأغذية التي تأتي من مصادر حيوانية، تجنب تناول البيض النيء والبيض المطهو بشكل جزئي، تجنب البيض ذي القشرة المشقوقة أو ذي القشرة القذرة، تجنب الحليب ومشتقات الحليب غير المبسترة، استعمال درجات الحرارة المناسبة لدى طهو وتبريد وحفظ الغذاء وتجنب انتقال التلوث من الأغذية النيئة إلى الأغذية المطهوة.
أما بكتيريا «ستافيلوكوكس أوريوس ستاف» فتنتشر بشكل شائع في الإنسان والحيوان بحيث إن حوالى 30% إلى 50% من البشر هم من حاملي هذه البكتيريا، فتوجد على سطح الجلد وفي الإفرازات الجسدية مثل العرق واللعاب. وأسوأ ما في هذه البكتيريا المسببة للمرض أنها تنتج سموماً لا يمكن القضاء عليها من خلال الطهو أو إعادة تسخين الغذاء. الإيجابية الوحيدة أنّ سموم هذه البكتيريا لن تتسبب بالأمراض إلا إذا وصلت إلى كمية معينة. ينصح هنا بغسل اليدين قبل وبعد لمس أو تحضير الغذاء وحفظ الأغذية المطبوخة أو السريعة التلف في درجة حارة مناسبة.
وتكمن خطورة بكتيريا «كولوسيريديوم الموجودة في التراب والجهاز الهضمي، في أنها تفرز أحد أكثر السموم فتكاً بالإنسان، ما قد يسبب الشلل والموت، غير أنّه يمكن القضاء على هذا السم من خلال تسخين الطعام على حرارة 90 درجة مئوية لمدة عشر دقائق.
وفي ما يتعلق ببكتيريا «الليستيريا» فهي خطيرة للمرأة الحامل التي تنصح بتجنب مأكولات مثل السوشي والتعقيم داخل معامل تحضير وتصنيع الأغذية، وطهو الطعام بشكل جيد.
ومن أشهر مسببات الأمراض بكتيريا «ايكولاي» التي تتكاثر في الجهاز الهضمي للإنسان والحيوان، وغالباً ما يرتبط اسمها بالهامبرغر غير المطهو جيداً. وهنا يجب غسل اليدين جيداً قبل وبعد لمس المواد الغذائية، طهو اللحوم بشكل جيد، التعقيم والتطهير وتفعيل المراقبة الجيدة في المزارع.