تخرج زينة دكّاش من سجن لتدخل إلى آخر. السجن الجديد الذي تختبره منذ فترة ليس سجناً تقليدياً، ولم تثبت التهم أو الأحكام على نزلائه. إنّه سجن اختياري، يقصده روّاده بسبب الضيق الاقتصادي، يتركون بلادهم في أفريقيا وآسيا ويتجهون الى لبنان والدول العربية، ليصبحوا في خدمة السيّد والمدام.
شغل موضوع العمالة الأجنبية في لبنان الإعلام والثقافة، وتمت مقاربته من زوايا عدة؛ من العنصرية والعنف والفوقية والعبودية والقوانين. ستبرز دكّاش هذه الجوانب من خلال مواجهة بين العمّال والجمهور على الخشبة في عمل أخرجته أخيراً بعنوان «شبيك لبيك...» نشاهده عند الثامنة من مساء اليوم والغد في AltCity (الحمرا ــ بيروت).
في السنوات الماضية، اختبرت دكاش هذا النوع من المسرح التفاعلي أو العلاج بالدراما في سجن رومية من خلال عرض «12 لبناني غاضب» (2009)، وفي سجن بعبدا للنساء (مسرحية «شهرزاد ببعبدا» 2012، وفيلم «يوميات شهرزاد» 2013)، ومع نزلاء «مستشفى الفنار للأمراض العقليّة والنفسية والعصبيّة» في عرض «من كل عقلي...» العام الماضي.
عاملات من إثيوبيا، وبوركينا فاسو، والسنغال، والكاميرون وسيريلانكا مع عمّال من السودان، يعيدون بناء أجزاء من قصصهم في البلد الذي هاجروا إليه، مع كفيل ووسيط يحضرهم بموجب نظام كفالة يفترض به أن يكون المرجع في العلاقة بين العامل الأجنبي وكفيله اللبناني. من جهة ثانية، يظهر العرض وجهة نظر الطرف الآخر، أي الكفيل الذي سيتعايش مع شخص أجنبي لا يتقن لغته ولا ثقافته، حيث سيفقد خصوصيّته وبعضاً من مساحته لصالح العامل المقيم معه في منزله. ظروف الطرفين تؤثر سلباً على علاقتهما ويحدث ما يحدث من تعدٍّ واضطهاد، ويخرج الكفيل منتصراً بطبيعة الحال، مع غياب أي قانون لحماية العمّال الأجانب وبوجود تحيّز ضد هؤلاء لصالح ابن البلد.
يقدم العرض عمّالاً يقصّون
علينا حكاية حرمانهم من
أبسط حقوقهم

بعض المشاركين سيخبرون قصصاً عن طفولتهم ومشاهد أخرى سنستمع إليها في العرض الذي أنتجه «المركز اللبناني للعلاج بالدراما» (كثارسيس)، بدعم من السفارة النروجية في لبنان. لوحات فولكلورية وموسيقية يقدمها الممثلون، يعرّفون من خلالها على ثقافاتهم وتقاليدهم ومعالمهم السياحية. ربّما هم بحاجة إلى التذكير دائماً، كي لا يفوتنا ذلك، بأنّ لهم حضارة وتاريخاً وبلاداً واسعة جميلة، دفعتهم الظروف المالية إلى الهجرة منها. إنّها الظروف نفسها التي دفعت بآلاف اللبنانيين للهجرة بحثاً عن فرص عمل في الخارج. في حديثها مع «الأخبار»، تقول المشاركة الآتية من إثيوبيا لاردي إنّ قوانين العمل التي تحكم علاقة العامل اللبناني بربّ عمل خارج لبنان، أفضل بكثير من القوانين الموجودة هنا. تؤدي لاردي في «شبيك لبيك...» دور السيّدة المتكبّرة المتعالية الأنانية التي لا تفكّر إلا بنفسها ولا تهتم بالعاملة المقيمة في منزلها ولا بمعاناتها. لاردي مقيمة في لبنان منذ عشر سنوات، جاءته في الـ 16 من عمرها، ولم يخبرها أحد ما الذي يجب عليها فعله هنا. كلّ ما قيل لها «ستسافرين للعمل في لبنان ومساعدة عائلتك». في المدرسة، كانت تحبّ الغناء والرقص والتمثيل، لكن لم يتسنّ لها ممارسة هذه الهوايات في بلدها، ولم تكد تكمل سنوات المراهقة حتى وجدت نفسها عاملة تنظيف في منزل في لبنان.
بدأت زينة دكاش العمل على العرض منذ تسعة أشهر، ولم تستطع الاجتماع بأعضاء الفرقة الـ 24 إلا في الآحاد لساعتين فقط.
«لا تستطيع إنجاز مسرحية خلال ساعتين كل يوم أحد»، تخبر زينة عن المصاعب التي واجهتها خلال إنجاز العرض. ستضطر مرة أخرى كما فعلت في السجون، إلى معايشة واقع الممثلين، ففي حال العاملة الأجنبية «لا تستطيع المدام الاستغناء عن وجودها في المنزل»، بينما يستطيع بعضهم التفرّغ ساعتين مساءً خلال الأسبوع، وآخرون في يوم آخر خلال النهار. الصعوبة التي واجهتها للاجتماع بهم تقع في صلب العرض الذي يميط اللثام عن حرمانهم من حياتهم الطبيعية ومن أبسط حقوقهم كالحرّية.
لا تلجأ دكاش مؤسِّسة مركز «كثارسيس» إلى المسرح التفاعلي للإضاءة على المشاكل الاجتماعية والإنسانية فحسب، بل أيضاً لإيمانها بأنّه قادر على تغيير بعض وجهات النظر أو حتى القوانين المجحفة بحق الفئات المضطهدة. هذا الموضوع سيكون محل مناقشة مع منسّق جمعيةMigrant Workers Task Force عمر حرفوش، في حلقة تلي العرض.



«شبّيك لبّيك» لزينة دكاش: 20:00 مساء اليوم والغد ــــ AltCity (الحمرا ــ بيروت). للاستعلام: 03/162573