لم يكن سعد الحريري يحتاج إلى كل هذه المقدمات ليقول إنه ذاهب الى الحوار مع حزب الله. ولن يكون في وسع أي متضرر من هذا الحوار ان يخرج ملفات معقّدة من أجل تعقيد الأمور أكثر. من يرفض الحوار ليس سوى مجنون، لا يقل غباء وجنوناً وغلوّاً عن «داعش» وأخواته. ومن يرفض الحوار لا يختلف أبداً عن المسلحين الذين يختطفون العسكريين في جرود عرسال. رافض الحوار هو خاطف من خاطفي البلاد. والواقعي الذي يريد الراحة لنفسه ولعائلته ولجيرانه ولبقية الناس، هو من ينظر الى الامور كما هي، وكل رغبة في التغيير لا يمكن ان تقوم من دون قدرات وإرادة.
فريق 14 آذار هو مسخرة لبنان والمنطقة. أصلاً ليس لديه «حَيْل» ليقوم بشيء. فؤاد السنيورة هو الصورة الفعلية لهذا الفريق العاجز، المريض، المحبط، وغير القادر على رفع رجل عن رجل. شأنه شأن مروان حمادة، الذي ظن أنه يقدم درساً في العلوم السياسية أمام قضاة اكثر بؤساً منه. كأن هذه الترّهات يمكنها ان تغيّر في واقع الحال الذي يقول ان كل هؤلاء، في لبنان والمنطقة والعالم، يسيرون من خسارة الى خسارة، ولو ظلّوا يصرخون: الحق معنا!
الحوار ليس فكرة، وليس مضيعة للوقت. هو الحل الوحيد أمام فريق 14 آذار، وامام تيار المستقبل على وجه الخصوص. وكل مكابرة أو ادعاء لن يقدما ولن يؤخرا. ولكي تكون الأمور كثيرة الوضوح، حتى يقدر المرء على الوصول الى نتيجة مقنعة، ليس امام هذا الفريق سوى الحوار، ومحاولة الوصول الى تفاهم يتيح تقليل خسائره. وكل اعتقاد بأن المواجهة هي البديل، هو اعتقاد بأن طريقة «داعش» هي الافضل. وكل محاولة للقول ان حزب الله مثله مثل «داعش»، هي محاولة مغمض العينين. وكل تسوية يراد لها ان تقوم الآن من خلال الحوار، ستكون عاكسة للوقائع كما هي.
ليس في مقدور أية جهة الآن، لا في لبنان ولا في المنطقة ولا في الإقليم ولا في العالم، ان تدفع حزب الله الى سحب مقاتليه من سوريا. على قوى 14 آذار في لبنان، وعلى كل خصوم حزب الله، وكل من يرى فيه خصماً او عدواً او طرفاً سيئاً، على كل هؤلاء التعامل بواقعية مع الامر. مقاتلو حزب الله يعملون اليوم في سوريا، وفي العراق أيضاً، ولهم دور كبير في فلسطين وفي اليمن، وربما في اماكن اخرى من هذا العالم. وبالتالي، فإن ما أتاح لحزب الله هذا الدور ليس قراراً ايرانياً. ها هي اميركا ومعها اوروبا، ولا سيما أم الارهاب فرنسا، تسعى بكل ما تملك من قوة لأن تبتدع حليفاً لها يملك 5 في المئة مما يملكه حزب الله. وهنا، لا نتحدث عن الاموال والاسلحة، بل عن الفكرة وعن القرار وعن الارادة وعن القناعة وعن القيادة.
باختصار، يمثل الحريري اليوم كل الذين يصلّون لأن يبتلع البحر حزب الله وأهله وجمهوره وكل محبيه. ويمثل عجز هذا العالم عن ضرب حزب الله او هزمه او تحجيمه او اجباره على السير بعكس ما يريد. ولأن الحريري يمثل كل ذلك، فهو يملك فرصة الحوار الجاد والمثمر. واذا ما أصر مجانين من هنا وهناك على محاولة ثنيه عن قراره، او عرقلة خطواته، فليس أمامهم خيار سوى الانضمام علناً الى اسرائيل او «داعش». اليوم، لا يوجد في العالم كله، من له مصلحة في عدم حصول الحوار، سوى اسرائيل و»داعش». اسرائيل التي تعتقد ان كل خصومة مع حزب الله تفيدها، و»داعش» الذي يرى في عدم حصول الحوار مساحة لتعبئة مذهبية اضافية ضد حزب الله. والحريري يعي جيدا اليوم، أن عدم الذهاب الى الحوار، يعني دفع ما تبقى من جمهوره إلى احضان «داعش» وفكره وهواه، وهو يعرف ان كثيرين من انصاره او ممن ساروا خلفه، لا يرفضون كل ما يقوم به «داعش». وحيلتهم السمجة أنهم يفضلون «جبهة النصرة» على «داعش». وكأن الخلاف بين الجهتين هو على الحق والتنمية والتطور لا على طريقة قتل الاخر، كل آخر.
ثمة فرصة جدية الآن، لأن يخرج الحوار بنتائج منطقية. ولأن الأمور تحتاج الى مصارحة لا الى مزيد من التكاذب، فإن التوازن القائم الآن على خلفية ما جرى بين الغرب وايران، ونتائج ما يحصل في العراق والجزيرة العربية، ووقائع الساحتين اللبنانية والسورية، كل ذلك، يسمح بأن يقود الحوار الى نتائج مقبولة، تقوم على فكرة مساعدة المسيحيين في اختيار رجل عاقل ليكون ممثلهم في هذه التركيبة المجنونة التي تحكم لبنان. وقمة الواقعية في تعاطي فريق 14 اذار، يجب ان تقودهم الى القول، ان مسرحية ترشيح قاتل رئيس حكومة لتولي منصب رئاسة الجمهورية انتهت منذ زمن بعيد، وان ميشال عون يختلف كثيراً عن سمير جعجع، في كل شيء، في اصله وفصله وعقله وتفكيره وسلوكه وتخطيطه. ومن لا يقبل بعون رئيساً، عليه أن يأتينا بمن هو افضل منه، لا ان يقف مكتوف الأيدي قالباً الشفاه ورافعاً الحواجب صارخاً: أين الرئيس التوافقي.
يا جماعة الخير، ليس هناك توافق. هناك توازن وهناك مصالح وهناك وقائع. والرئيس يأتي ممثلاً لهذه الوقائع. وقيمة الحوار بين المستقبل وحزب الله، انه سيقدم نتيجة هي الأقرب الى الحقيقة اللبنانية القاسية.