لم تكن صورة القبضاي محببة في جيلنا الحزبي. هو، في قاموسنا، فتوة يستغل قدرات لم يأت بها من نفسه، ويستخدمها لفرض رأيه أو مطالبه على الآخرين. الأقرب إلى قلبنا، كان الرجل الشهم والشجاع. كانت نظريات أنطوان ماكيرنكو عن الفرد والجماعة تعظنا في أهمية نكران الذات، وذروة الفعل، ليس الاستشهاد من أجل سعادة الآخرين، بل أن تكون فعلاً، في حالة عدم انتظار الشكر على واجب قمت به.
في روايتنا، القبضاي المحبوب هو الذي يستعين بقدراته الجسدية لحفظ الحقوق. القبضاي، في حالتنا، هو الشيوعي حسن. طوله وعضلات جسده تمنع الزعران من تلطيش بنت. يرميك أرضاً بصرخة، أو يتركك تعالج أصابعك بعد مصافحة. هو حسن، الذي أخذ معه قريته إلى أي مكان قصده.
الرحلة إلى كوبا طويلة. عالمنا الاشتراكي ينهار. الحزب دخل أزمته الكبرى. والذاكرة طرية، تسعفنا للحديث عمّا قمنا به وما يمكن أن نقوم به بعد. وها نحن نتوجه، بأمل، إلى حيث لم تنفع نظريات البيريسترويكا والغلاسنوست الغورباتشوفية. نحن نقترب من المكان المقدس. فيه إرث غيفارا، وفيه الرفيق فيدل.
سيدة كوبية خلاسية تجلس مع طفلها في مقصورة الدرجة الأولى على الطائرة الاشتراكية التي تقلّنا من باريس إلى هافانا. كل الركاب تفقّدوا الطائرة مرات ومرات. خطّط الجميع للتحرش بها. زياد عبد الصمد وحده يعرف الإسبانية، أما نحن الباقين، فكنا نراقبها ونتخيّل، تماماً كما روى غابريال ماركيز في مقدمته لرائعة كاواباتا «الجميلات النائمات». حسن، وحده، لم يكن يتعب نفسه: الرفيقات من كل العالم سوف يأتين إلى المهرجان العالمي في هافانا، لدينا الوقت لممارسة التضامن الأممي.
على كورنيش هافانا يرقص الجميع ليل نهار. كان في وفدنا «الرفاق» الذين ينتظرون زوال النظام الاشتراكي في كوبا. كان يستفزّهم منظر شاب عشريني ينظر صوب ميامي إلى الشمال نحو أميركا ويهتف: فيفا فيدل. يلجأ «الرفاق» إلى ما يعتبرونه نتيجة حتمية للسقوط، و»النظرية» تعتبر الشاب من عناصر الأمن الذي يريد أن يرينا، نحن الضيوف، أن الشعب لا يزال يحب كاسترو.
في هذه اللحظات، تشعر بالحاجة إلى وجود مباشر لحسن، لم يكن أصلاً بيننا من يجرؤ على اتهامه بالمغالاة، ولا حتى على انتقاد «جلافته» كما لم يكره هو أن يقال. لم يكن حسن يقبل المزاح عن الكوبيين. يتقدم القبضاي الحقيقي صارخاً وخاتماً النقاش: مين اللي مش عاجبو؟!