حملة وزارة الصحة من أجل سلامة الغذاء ستستمر باعتبارها خطوة إصلاحية حقيقية طويلة الأمد وغير تجميلية، هذا ما تعهد تنفيذه وزير الصحة وائل أبو فاعور أمام نقابة أصحاب المطاعم، التي التقاها أمس، في وقت أكدت فيه اللجنة الوزارية استمرار متابعة كل ملفات الحملة، وستعقد اجتماعاً بعد غد الخميس قبيل جلسة مجلس الوزراء لوضع صيغة واضحة للتنسيق بين الوزارات ورفعها إلى المجلس.
أبو فاعور أشار إلى أن تسمية المطاعم المخالفة «لا يعني انقلاباً عليها»، بل حث القطاع على تطبيق الإجراءات لحمايته من أي سمعة لا تليق به. وقد طلب من النقابة أن تتعهد الزام اعضائها تطبيق دفتر المعايير والإجراءات التوجيهية، تحت طائلة سحب انتساب المطعم إلى النقابة. وكرر ابو فاعور انه لن يسمح بكسر شوكة الدولة، كاشفا عن مؤتمر سيعقده غداً الأربعاء يعلن فيه أسماء مؤسسات مخالفة إضافية، وأسماء أخرى أصلحت أوضاعها لتستوفي الشروط، ما قد يمثل رسالة إيجابية تعزز ثقة المواطن بسلامة الغذاء والدولة. النقابة ستسعى مع الوزارة، كما قال أمين سرها طوني الرامي، إلى إيجاد خريطة طريق أمن غذائي كامل، بغية ترجمة النقاش الحاصل إلى عمل جدي ومتكامل، من خلال اعتماد كتيّب المعايير التي يحتاج إليها أصحاب المطاعم لرسم مطبخهم بصورة سليمة. وتعهدت بدورها الوصول إلى نتائج مثالية، وخصوصاً أننا «نتحمل مسؤولية تقصير الدولة منذ 20 عاماً».
بين الوزارة والنقابة، لم تكن مواقف المواطنين من حملة سلامة الغذاء متشابهة. سلوك المستهلكين اختلف بين لم يجد نفسه متأثراً بهيصة إعلامية «لن تقدم ولن تؤخر في بحر الارتكابات والمخالفات في الدولة»، ومن أقلع تماماً عن ارتياد المطاعم وشراء وتناول السلع الغذائية المسماة في الحملة، ولا سيما اللحوم والدجاج، أو بالحد الأدنى توخى الحذر في الاستهلاك. وثمة قسم ثالث لم يغيّر عاداته على قاعدة «أننا مضطرون وليس لدينا خيار بديل، إلاّ إذا قررنا أن نربي المواشي في المنزل».
فمنذ اللحظة الأولى التي سمعت فيها رانيا بالحملة، استبدلت اللحوم بالحبوب «كرمال صحة أولادي على الأقل»، لكنها تجزم بأنّها لا تستطيع أن تستمر في هذا السلوك وقتاً طويلاً «وليقدّم لنا أبو فاعور بديلاً، بعدما أرونا الفضائح بأم العين وبالصوت والصورة». ومع ذلك، ترى أن «ما حصل مثّل في كل الأحوال صدمة إيجابية لنا، وبتنا لا نرتاد المطاعم حتى إشعار آخر».
علي طليس لم يصدق أن أحد المطاعم المعروفة في الضاحية، والمجاور لمنزله ورد اسمه في لوائح أبو فاعور، وما فعله هو البحث عن مطعم آخر لم يسمع اسمه بعد. «القصة نفسية»، يقول، مبدياً ارتياحه لكشف الأمور حتى لو تذرع البعض بالمظلومية «حياة الناس أهم من أرباح أصحاب المطاعم، وآخر همي شو بيقولوا عن خسائرهم».
مؤتمر لوزير الصحة
يعلن فيه أسماء مؤسسات أصلحت أوضاعها



الحذر هو ما باتت عبير زين تعتمده في التعاطي مع المطاعم «التي يجب أن تحسّن شروطها لتكسب الناس الذين تهتم بهم». تشرح أننا «خففنا الديليفري، وصرنا ننتبه أكثر لنظافة المطعم الذي نرتاده، مع مراعاة أننا لا نستطيع الاستغناء عن أصناف الدجاج واللحوم بصورة نهائية».
أما استير ضو، فتقول إنها مهجوسة بالأساس بالنظافة ومراقبة التفاصيل الصغيرة في كل المطاعم التي تذهب إليها، وهي تحرص على جلب اللحوم من الضيعة، معربة عن يقينها بأنّ «الحملة جدية لكونها وصلت إلى أحد الزواريب القريبة من منزلنا».
هذا ليس حال أسمى، التي لا تعرف ما إذا كان الموضوع بريئاً كما تقول. هي على الأقل لم تعد تصدق شيئاً في هذا البلد، ومن غير الممكن الإصلاح في قطاع وترك قطاع آخر.
في هذا الوقت، راح رواد المطاعم يحرجون أصحابها بأسئلتهم التي تدقق في الأصناف «من أين تأتون باللحمة والدجاج؟ ماذا عن المياه؟ هل زارتكم وزارة الصحة وأخذت عينات؟ هل نستطيع أن ندخل إلى المطبخ؟». ومنهم من وضع تعليقاته في إطار المزاح، كأن يتلقى موظف المطعم اتصالاً من أحد الزبائن يطلب منه «فروج بروستد مطابقا للمواصفات، أو سندويشا من دون بكتيريا».
«جود بالموجود»، هكذا يصف مدير مطعم بربر فؤاد الملا التأثر بما يسميه حملة الإدانة والاتهام، في إشارة إلى أنّنا «بتنا نعد أصنافاً أقل، وطلبنا من 60 موظفاً ملازمة بيوتهم على حسابهم الخاص ريثما تهدأ الزوبعة». لا بد من أن نعرف هنا أن المشكلة ليست في الحملة فحسب، فعمال «مطعم بربر» محرومون في الاصل أيام العطلة القانونية والإجازة المرضية، وهم يتقاضون أجوراً زهيدة لا تتجاوز 850 دولاراً مقابل 12 ساعة عمل يومياً.
الحركة في مطعم «هانيز» تراجعت بنسبة 50 %، بحسب المسؤول عامر عاصي، لافتاً إلى أننا «لا نستطيع اليوم إلاّ أن ننتبه أكثر من أي وقت مضى، والرزقة على الله».
التأثير واقع لا محالة، بحسب محمد رزق شقيق صاحب مطعم رزق. يقول إننا «نخسر يومياً 20% من قيمة المبيعات والمنتجات، وقد بلغت الخسارة ذروتها في الأسبوع الأول من الحملة». النتائج كانت عكسية بالنسبة إلى مطعم «كريب اواي»، فقد ازدادت الحركة بصورة ملحوظة. ويعزو مديره إيلي كنعان الأمر إلى سببين: السبب الأول أن «اسمنا لم يرد في لوائح أبو فاعور برغم أنهم أخذوا عينات ثلاث مرات، والسبب الثاني أننا أنزلنا إلى السوق أصنافاً جديدة».
في البقاع، لا يخفي أصحاب المطاعم تراجع حركة بيعهم اليومية، بعد «الخضّة» الغذائية. بعض المطاعم لم يحل التراجع «الضئيل» في مبيعه دون استمرارالطلبيات الخارجية، وبوتيرة «شبه طبيعية»، بالنظر إلى «الثقة» التي نتجت عن معرفة الزبائن بمصدر المواد الغذائية الأولية من لحوم وفروج «بلدي»، كما يشرح صاحب أحد المطاعم في بعلبك. في المقابل، يؤكد مالك فرحات، صاحب أحد المطاعم في البقاع، أن تراجعاً ملحوظاً سجل في طلب الفروج المشوي (من عشرين فروجا في اليوم إلى أقل من عشرة) وفي السندويشات التي تعتمد على اللحوم، في مقابل ازدياد الطلب على الفلافل والبطاطا.
أما في النبطية، فقد تأثرت معظم المطاعم ومحالّ بيع اللحوم والدجاج سلباً، وعلى نحو مباشر من حملة وزارة الصحة، فتراجعت أعداد الزبائن إلى حدودها الدنيا، كما يقول صاحب أحد المتنزهات، في وادي الحجير (مرجعيون). هذا لم يمنع أبناء البلدة من أن يكونوا أكثر ثقة بمسلخ مدينتهم الوحيد، وإن باتوا يراقبون بدقة سلامة السلع في المحال التي يرتادونها، ويطلبون من أصحاب المطاعم زيارة المطابخ، والتأكد بأنفسهم من نظافتها.
(شارك في التقرير: رامح حمية وداني الأمين)