باستقالته من رئاسة هيئة العلماء المسلمين في لبنان، فجّر الشيخ مالك جديدة قنبلة من العيار الثقيل، خصوصاً أنه أرفقها بتوزيع اتهامات على قسم كبير من أعضائها. ومعلوم أن خلافات في التوجهات والممارسات والرؤى كانت تدور داخل الهيئة في الآونة الأخيرة، وأن بعضها كان يتسرّب إلى العلن، إلا أن جديدة كشف دفعة واحدة عن أغلب هذه الخلافات، وأحدث صدعاً كبيراً داخلها يصعب رأبه.
خطوة جديدة عزتها مصادر في الهيئة إلى قرار لمجلس الشورى فيها، قبل أيام، بتقصير ولاية الشيخ المستقيل من سنة إلى 6 أشهر تنتهي في السادس من الشهر الجاري، وهو ما رفضه جديدة واعتبره استهدافاً له، وترجمة لـ»حرتقات» بعض الأجنحة داخل الهيئة التي تتهمه بعدم تنسيق خطواته ومواقفه قبل إطلاقها مع الهيئة الإدارية أو مجلس الشورى. وكشفت المصادر أن القوى النافذة في الهيئة كانت تأمل استقالة جديدة بلا ضجة ومن دون إقالته بعد تقصير ولايته، حفاظاً على موقعه وعلى الحد الأدنى من تماسك الهيئة. لكن جديدة سارع إلى قلب الطاولة في وجه الجميع. ورجّحت المصادر، في ضوء الاستقالة المفاجئة، أن «تكون هيئة العلماء بعده غير ما كانت عليه قبل استقالته»، إذ إن جديدة يُصنّف بأنه إسلامي تقليدي في هيئة يتنازعها السلفيون والجماعة الإسلامية، «وبالتالي، سيدفع انسحابه منها إلى انسحاب أغلب مشايخ عكار وغيرهم من الهيئة تضامناً معه، خصوصاً أنه يحظى بحيثية مهمة في المنطقة لكونه رئيساً لدائرة الأوقاف فيها».
الاستقالة قد تدفع الى انسحاب أغلب مشايخ عكار من الهيئة


انطلاقاً من ذلك، تساءلت أوساط إسلامية عما إذا كانت استقالة جديدة من رئاسة الهيئة التي تضم نحو 500 شيخ من مختلف المناطق «بمثابة قرار بإنهاء الهيئة وإلغاء دورها الذي حاولت أن تلعبه منذ تأسيسها قبل سنوات».
ولفتت إلى أن «أبرز المستفيدين من تصدّع الهيئة واحتمال فرط عقدها هو تيار المستقبل، في المقام الأول، والزعامات السياسية السنية على اختلافها، بعدما حاولت الهيئة مصادرة أدوار هؤلاء، وطرح نفسها بديلاً لهم».
ورأت الأوساط أن بروز الهيئة في السنوات الأخيرة «يعود إلى تراجع دور دار الفتوى بفعل أزمة مفتي الجمهورية السابق الشيخ محمد رشيد قباني مع القوى السياسية السنيّة، وتحديداً تيار المستقبل، فحاولت الهيئة أن تملأ الفراغ الذي تركه تراجع دور دار الفتوى في مرحلة بالغة الدقة. ولكن بعد انتخاب الشيخ عبد اللطيف دريان مفتياً وتشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، كان منطقياً انسحاب الهيئة إلى الخلف، والعودة إلى حجمها الطبيعي».
استقالة جديدة على وقع الاتهامات التي ساقها ضد الجماعة الإسلامية والسلفيين داخل الهيئة، دفعت نائبه الشيخ حسن قاطرجي، في بيان له، و»حرصاً على وحدة الهيئة»، إلى نصح أعضائها «بالترفع عن ردّات الفعل والحساسيات الشخصية، لأن بيان جديدة تضمّن الكثير من الإساءات الواضح بطلانها»، فيما استغرب المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية عزام الأيوبي كلام جديدة، «وهو يعرف أن الاتهامات التي ساقها ضدنا غير صحيحة». وقال لـ»الأخبار»: «نحن في الجماعة نفضّل حالياً عدم الرد في انتظار معرفة الأسباب والخلفيات».
وكان جديدة اتهم في بيان استقالته «بعض الجماعات والجمعيات بالسيطرة على الهيئة لكسب الشارع السنّي، واتخاذها وسيلة لوضع اليد على دار الفتوى»، معتبراً أن البعض رأى في الهيئة «غطاءً ومكسباً يستغله في الخارج لجمع المال، وأصبحت لهؤلاء زيارات موسمية إلى دول الخليج لجمع الأموال». ورأى أنه «تبين أن الهيئة ليست إلا اتفاق مصالح بين الأجنحة السلفية والجماعة الإسلامية لاقتسام النفوذ والمكاسب»، متهماً «لوبي داخل الهيئة يريد من خلالها الهجوم على دار الفتوى والطعن والتشهير برجالها»، وأن «البعض أصدر بياناً باسم الهيئة دون علمها وعلم رئيسها بما يخصّ انتخابات المفتي». وأشار إلى أن «البعض كان ينتقد إنصافي الجيش في أي موقف وكأني ارتكبت منكراً، بينما كانوا يتزلفون على أبواب الضباط»، داعياً إلى إنشاء هيئة علماء في لبنان «تقوم على الخطاب المعتدل والوسطية وتعزيز دور المرجعية الدينية».