حازت الصور التي نشرت على مواقع فيسبوك، وكشفت عن مجزرة مرتبكة بحق أكثر من ٤٠ طائراً من الطيور المحلقة المهاجرة من نوع اللقلق والكركيّ، المحرم صيدها دولياً، وذلك في احدى المناطق في قضاء الكورة، شهرة واسعة. وبعد قرابة 4 سنوات على ادعاء النيابة العامة الاستئنافية في الشمال على المتهمين بارتكاب هذه المجزرة، بناء على إخبار مقدم من وزير البيئة الاسبق محمد رحال، اصدرت محكمة البترون الجزائية قراراً قضى ببراءة المتهمين.
وتعليقاً على الحكم قال وزير البيئة محمد المشنوق لـ «الاخبار» «نحن لا نتدخل في قرارات القضاء ولكننا في الوقت نفسه سنقوم بواجبنا البيئي للحفاظ على الطيور المهاجرة من خلال المحامين العامين البيئيين، ونأمل التوسع في التحقيق مع المتهمين في مرحلة الاستئناف».
اعلن الحكم، الذي حصلت «الاخبار» على نسخة منه، براءة المدعى عليهم سامي ايليا فياض وجان سمعان سمعان وفيصل جمال قصاب لعدم كفاية الدليل، ورد مطالبة الدولة اللبنانية بالعطل والضرر.
وكان الوزير محمد رحال قد وجه بتاريخ ٣٠ نيسان ٢٠١١ كتاباً الى هيئة القضايا في وزارة العدل يطلب فيه التوسع في التحقيق بجرم ارتكاب عدد من الصيادين جريمة قتل ما يزيد على ٤٠ طائراً من طيور اللقلق والكركي، وطلب وزير البيئة من وزارة العدل ابلاغ النيابة العامة ضرورة اتخاذ التدابير القانونية المناسبة في حق المخالفين.
واكد رحال في كتابه «انه لم يصدر عنه اي قرار بفتح موسم الصيد، وبناء عليه يكون الصيد البري ممنوعا حتى تاريخه، اضافة الى انه في كل الاحوال وحتى خلال فتح موسم الصيد، فان طيور اللقلق والكركي طيور مفيدة للنظام الايكولوجي والزراعة، وتشملهما حكما لائحة الطيور الممنوع صيدها في لبنان عند فتح موسم الصيد لأي عام، علما ان هذه الطيور ممنوع صيدها عالميا في اي وقت كان،
رحال فسرت القانون بطريقة غير مسبوقة ومخالفة للمادة 8 منه
وانها محمية بموجب اتفاقية الطيور المائية المهاجرة الاوروآسيوية الافريقية التي وافق عليها لبنان ويلتزم احكامها».
اللافت في المسار القضائي للدعوة ان ان هيئة القضايا في وزارة العدل لم تتحرك لغاية عام ٢٠١٣، حين بادرت جمعية درب الجبل اللبناني الى تكليف مكتب خطار للمحاماة متابعة القضية. وتروي المحامية جيهان خطار انها زارت رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل مروان كركبي عارضة له القضية من جديد، وعلى اثر هذه الزيارة تحركت هيئة القضايا وقدمت شكوى امام النيابة العامة الاستئنافية في الشمال، وعينت المحامي منير داوود للدفاع عن الدولة.
يتبين من حيثيات التحقيق ان وزارة البيئة ضمنت ادعاءها صورة تظهر لوحة سيارة رقمها ٢٠١٣٦٢٨٨ تعود ملكيتها الى المدعو الياس جرجس، وطلبت الظن به وبكل من يظهره التحقيق مشاركاً في الجرم، وبنتيجة التحقيقات التي اجراها مخفر شكا ادعت النيابة العامة الاستئنافية على كل من سامي فياض وجان سمعان وفيصل قصاب، وتحولت القضية الى القاضي المنفرد الجزائي في البترون منير سلمان.
وبتاريخ ١٩ ايلول ٢٠١٤ صدر قرار عن القاضية المنفردة الجزائية كارلا رحال قضى باعلان براءة المدعى عليهم لعدم كفاية الدليل.
استندت القاضية رحال لاعلان براءة المتهمين إلى التعليل الاتي: عدم وجود دليل على ان الطيور الواردة في الصور جرى صيدها في لبنان! (ادعى قصاب دون دليل انه اشتراها من سوريا) او ان احداً من المدعى عليهم هو من الصيادين!! او يمكنه صيد مثل هذه الطيور!!! او ان احدا منهم قد خالف قرار منع صيد انواع معينة من الطيور بدون ترخيص قانوني (قرار مجلس الوزراء يمنع صيد جميع انواع الطيور). ويضيف قرار القاضية رحال «ان ما توافر في الملف لا يمثل دليلاً على ارتكاب اي جرم، وان الوقائع الثابتة هي بمثابة اعمال صبيانية بهدف التقاط الصور وعرضها على مواقع التواصل الاجتماعي!!!!
ومضت القاضية رحال في تفسير قانون الصيد بطريقة غير مسبوقة، اذ اعلنت ان «التقاط الصور بقرب الطيور وعرضها على السيارات وفي الطرقات والساحات العامة... لا يمثل بحد ذاته جرماً جزائياً». وبذلك تكون القاضية رحال قد اغفلت النص الصريح للمادة الثامنة من قانون الصيد البري، التي تنص على «منع عرض الطرائد المصطادة خارج السيارات وعلى الطرقات العامة”.
ويتبين من الصور التي مثلت اساس الدعوى التي رفعها وزير البيئة ان المدعى عليهم عرضوا الطيور المهاجرة التي اصطادوها خارج السيارات وعلى طريق عام وبالقرب من المنازل. ويتبين ان ملف التحقيقات التي اجراها مخفر شكا قد خلا من ذكر وقائع مهمة، منها على سبيل المثال تفتيش منازل المدعى عليهم للتأكد من خلوها من اسلحة الصيد او الاسلحة الحربية، اضافة الى التوسع في التحقيق لجهة التثبت من واقعة صيد الطيور قبل عرضها، وكيف جرت ومن اشرك فيها، وما اذا كان قصاب يملك دليلاً حسياً على انه دخل سوريا واشترى الطيور من هناك، علماً ان نقل ٤٠ طائر لقلق يصل وزن الواحد منها إلى اكثر من ١٥ كيلو غراماً غير قابل للتصديق.
اما استخدام عبارة «اعمال صبيانية» لتوصيف مجزرة بحق ما يزيد على ٤٠ طائراً من الطيور المهاجرة، فمتروك امر التعليق عليه لمجلس القضاء الاعلى، الذي يفترض به ان يفتح تحقيقاً في حيثيات هذا الحكم والية صدوره بهذه الطريقة!

يمكنكم متابعة بسام القنطار عبر | http://about.me/bassam.kantar