وقّعت إيران في الأيام الماضية عقداً مع روسيا لبناء مفاعلين إضافيين في مجمّع بوشهر النووي (يضم حالياً مفاعلاً واحداً بطاقة 1000 ميغاواط)، مع خططٍ لبناء 8 مفاعلات أخرى، 4 منها في بوشهر و4 في موقعٍ جديد لم يعلن عنه بعد.هذه العقود، وهي تطبيقٌ لخطة أعلنتها الحكومة منذ عام 2010 لبناء عشرة مفاعلات جديدة، تُظهر بعداً أساسياً في «المسألة النووية» غاب عن أكثر التحليلات، وهو أن بلداً مثل إيران يحتاج بصورة ماسّة الى الطاقة النووية، بغض النظر عن الاعتبارات العسكرية والسياسية، وهو ما ينطبق أيضاً على دولٍ مثل مصر والسعودية وتركيا.

الطاقة مسألة استراتيجية، وإيجاد طاقةٍ وطنية رخيصة هو العنصر الأساس الذي يحكم تنافسية الصناعات وإمكانية النموّ. القاعدة تقول إنّك إما أن تكون بلداً محظوظاً، كالنروج وكندا، تتوافر فيه أنهار كبرى وموارد كهرمائية ضخمة ومتجدّدة (الاتحاد السوفياتي بنى مجمعات الالمنيوم والحديد وأنشأ مدناً كاملة حول مشاريع السدود)، أو تكون لديك احتياطات من الفحم الرخيص ــ وهو أساس الانتاج الكهربائي في دول كألمانيا والصين ــ وإلّا، فإن وضعك سيكون صعباً من دون الطاقة النووية.
بإمكان بلدٍ كبير الحجم و كثير الاستهلاك ــ كمصر وإيران ــ أن يهدر كامل ثروته الغازية على إنتاج الكهرباء. واستعمال النفط ومشتقاته في توليد الطاقة ليس اقتصادياً. ونحن هنا لا نتكلّم على دولٍ غربية استقرّ نموّها السكاني وثبت معدّل استهلاكها، بل على بلادٍ ينمو فيها الطلب على الكهرباء بنسب عالية جداً.
هنا، تصير الطاقة النووية الوفيرة الملاذ الوحيد لبلدانٍ مثل كوريا الجنوبية وفرنسا واليابان، لا تقدر على تغطية احتياجاتها من المصادر «الرخيصة» أو من مزيج منها. كانت هذه الاعتبارات محورية في قرار إيران إطلاق برنامجها النووي (وهي فكرة موجودة منذ السبعينيات) وتوطين التكنولوجيا الذرية، ولكنها غُيّبت بالكامل عن النقاش الاعلامي.
المفاعلات النووية تمثّل معادلة مختلفة في إنتاج الطاقة: بدلاً من أن تكون الكلفة الأساس هي في المواد التي تُحرق لإنتاج الكهرباء (فحم أو غاز أو نفط)، تنتقل الكلفة الى رأس المال التكنولوجي والأبحاث التي تقف خلف المشروع، والمهندسين والعلماء الذين يديرونه. وبدلاً من أن يُصرف المال على استيراد الوقود من الخارج، يتركّز الإنفاق على البنية البحثية والموارد البشرية والعلمية داخل الوطن. لهذا السبب، فإنّ تكنولوجيا نووية مستوردة بالكامل، بالطريقة التي تروّج لها أميركا لدى حلفائها العرب، لا تحلّ المشكلة؛ بل إنّ ثمن إدارة هذه المشاريع بأيد أجنبية قد يزيد على كلفة البدائل.
بدلاً من خوض هذا النقاش بكلّ أبعاده، أصرّ الخطاب العربي المهيمن على استنساخ الرؤية الأمنية الأميركية، وصولاً الى استيراد الذعر من احتمال «إيران النووية» – كأنما طهران كانت ستضرب دبي والرياض بالقنابل الذرية.