وجّه رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر، كتاباً يوم الجمعة الماضي، ضمّنه ملف التلزيم (دفتر الشروط) العائد لمناقصة تلزيم أعمال كنس النفايات وجمعها ونقلها في نطاق محافظة بيروت ومعظم محافظة جبل لبنان ومحافظة لبنان الشمالي.
وكان مجلس الوزراء قد اتخذ قراراً حمل الرقم ٤٦ بتاريخ ٣٠ تشرين الأول الماضي، تضمن تكليف مجلس الإنماء والإعمار إجراء مناقصة مفتوحة لتلزيم أعمال كنس النفايات وجمعها ونقلها في نطاق المحافظات الثلاث، على أن تقسم هذه المحافظات إلى خمس مناطق خدماتية: قضاء الشوف وعاليه وقسم من قضاء بعبدا (تقدر كمية النفايات التي تنتج منها يومياً بنحو ٦٥٠ طناً)، ضاحية بيروت الجنوبية بمعظمها (تقدر كمية النفايات التي تنتج منها يومياً بنحو ٨٦٠ طناً)، بيروت وقسم من قضاءي بعبدا والمتن الساحلي (تقدر كمية النفايات التي تنتج منها يومياً بنحو ٩٨٥ طناً)، ما بقي من قضاء المتن وقضاء كسروان (تقدر كمية النفايات التي تنتج منها يومياً بنحو ٦٧٠ طناً)، محافظة لبنان الشمالي (تقدر كمية النفايات التي تنتج منها يومياً بنحو ٧٥٠ طناً).
الشرط الأول الذي وضعه مجلس الإنماء والإعمار يوضح معالم المناقصات - الصفقات الجديدة التي يتوقع أن تطلق مطلع العام المقبل، إذ ستطرح ملفات التلزيم في المناطق الخمس، على أن يُعطى كل عارض حق الاشتراك في مناقصتين على الأكثر! لماذا حصر حق العارض بالتقدم إلى مناقصتين كحد أقصى؟ ولمصلحة من؟ بالتأكيد لم يوضع هذا الشرط لمصلحة التخفيف من كلفة خدمات النظافة التي تقتطع من أموال البلديات المجمعة في الصندوق البلدي المستقل. القرار السياسي واضح في هذه البند، فالمطلوب بالدرجة الأولى كسر احتكار شركة سكر للهندسة (سوكلين) التي تتولى حالياً جمع النفايات ومعالجتها في بيروت وجبل لبنان، ما عدا قضاء جبيل. وبحسب دفتر التلزيم الجديد بات على سوكلين أن تختار منطقتين خدماتيين للتقدم إلى المناقصتين المخصصتين لهما. وتشير الترجيحات إلى أن البورصة السياسية رست على إعادة تلزيم سوكلين محافظة بيروت مع ترجيحات تشير إلى أن حزب الله لا يمانع أن تتقدم الشركة إلى مناقصة ضاحية بيروت الجنوبية، خصوصاً أن طريقة عمل الشركة في المنطقة التي تشهد أعلى منسوب من المخاطر الأمنية، يريح جهاز أمن حزب الله، إذ يجري التنسيق معه بنحو حثيث في جميع عمليات جمع النفايات ونقلها.
حصر حق العارض بالتقدم
إلى مناقصتين كحدّ أقصى بهدف تكريس المحاصصة
وفيما باتت مناقصة قضاء عاليه والشوف وجزء من بعبدا محسومة لشركة تأسّست، وتضم تيمور جنبلاط ورياض الأسعد، ومناقصة كسروان والمتن شبه محسومة لشركة أسّسها الوزير الياس بو صعب، وستتعاون مع شركة لافجيت التي يملكها الياس أزعور شقيق الوزير السابق جهاد أزعور، وهي تتولى جمع النفايات في نطاق اتحاد بلديات الميناء. وليس معلوماً إذا كانت لافجيت ستتقدم بدورها لمناقصة منطقة الشمال، علماً بأن حجم النفايات التي تجمعها هي أقل بكثير من الكميات الناتجة من المناطق الخدماتية التي قُسِّمَت في قرار مجلس الوزراء، وهو ما يضع علامة استفهام حول إمكانية تأهلها للمناقصة من دون الاستعانة بشركة أجنبية، والأمر نفسه ينطبق على الشركة التي أسسها جنبلاط.
يسمح دفتر التلزيم الجديد بالاشتراك في هذه المناقصات للشركات والمؤسسات اللبنانية التي تستوفي شروط الخبرة المحددة في ملف التلزيم، وأهمها أن يكون حجم الأشغال السنوي يفوق ١٥ مليون دولار أميركي خلال السنوات الخمس الأخيرة، وأن يكون قد نفذ مشروعاً أو مشروعين مشابهين (كنس وجمع ونقل نفايات منزلية صلبة)، على ألّا يقل مجموع كمية النفايات فيهما عن الكمية المحددة للمشروع المطروح، وعلى ألّا يعود تاريخ إنجاز العمل فيهما لأكثر من سنتين من تاريخ تقديم العروض، وألّا تقل مدة تنفيذ كل منهما عن أربع سنوات، أو أن يكون في عهدته، بتاريخ تقديم العروض، مشروع أو مشروعان مشابهان بدأ بتنفيذهما قبل سنتين على الأقل، وألّا تقلّ مدة تنفيذ كل منهما عن ٤ سنوات على الأقل، وعلى ألّا يقل مجموع كمية النفايات فيهما عن الكمية المحددة للمشروع المطروح.
إذا كانت الشروط المبينة أعلاه منطقية لأي متعهد أو شركة للتأهل للمناقصة، فإن مجلس الإنماء والإعمار فتح الباب واسعاً في دفتر الشروط نفسه لإمكانية التقدم إلى المناقصة للشركات والمؤسسات اللبنانية المؤهلة لدى مجلس الإنماء والإعمار لتنفيذ المشاريع التي تتجاوز قيمتها عشرة ملايين دولار أميركي، في أي فئة من الفئات الآتية: طرق، مبانٍ أشغال مدنية، على أن تستوفي شروط الخبرة المحددة للشركات المتخصصة بجمع النفايات المنزلية الصلبة، سواء منفردة أو بالائتلاف مع شركة أجنبية (تُجمع الخبرات للشريكين)، على أن تكون الشركة اللبنانية هي الشريك الأساسي الذي يقود المشروع، أما بالنسبة إلى شرط حجم الأشغال السنوية (١٥ مليون دولار أميركي)، فيجب استيفاؤه من كل من الشريكين منفردين. ويحدد دفتر التلزيم أنّ على المتعهد المباشرة بالعمل خلال فترة شهرين من تاريخ توقيع العقد الذي حدد بسبع سنوات.
أمام ترك الباب مفتوحاً بوجه شركات لا تمتلك خبرة في جمع النفايات، يطرح أكثر من سؤال عن الكلفة الإجمالية لهذه العقود التي قدّرها وزير البيئة محمد المشنوق بنحو ٨٠ مليون دولار، وتشير التوقعات إلى أن المناقصات النهائية سترسو على أسعار مقدرة بأعلى من المبلغ الذي حدده المشنوق لأسباب عدّة، أهمها أن قرار مجلس الوزراء ترك الباب مفتوحاً لاقتراح مراكز الفرز من قبل المتعهد في مناقصة المعالجة والطمر، إذ إن العارض في مناقصة الكنس والجمع والنقل الذي سيشترك في المناقصة يحتاج إلى معرفة المواقع التي ستنقل إليها النفايات ليحدد سعره، وقد ابتكر مجلس الإنماء والإعمار بدعة غير مسبوقة في دفاتر الشروط الحكومية، حيث اعتمد مراكز الفرز والمعالجة الحالية في العمروسية – الشويفات وفي الكرنتينا ومستودع برج حمود للمخلفات الكبيرة كنقاط «افتراضية» سيجري النقل إليها، بهدف التسعير ومقارنة الأسعار على قاعدة واحدة، على أن تعدَّل الأسعار «إذا دعت الحاجة» بعد معرفة المواقع النهائية التي ستنقل إليها النفايات في كل منطقة! وأمام هذه المعادلة الفريدة من نوعها، بات من المحتم أن تكون الأسعار المقدمة لمناقصة بيروت والضاحية الجنوبية أدنى بما لا يقاس بمناقصات بقية المناطق نتيجة قرب المسافة التي ستنقل النفايات إليها، علماً بأن عملية تحديد الكلفة لا ترتبط فقط بالمسافة، بل أيضاً بمعدل استهلاك الشاحنات وحركة السير وغيرها من الأمور التقنية التي ستجعل من العارض المتقدم لمناقصة منطقة الشمال، على سبيل المثال، في موقف محرج وغير واضح لتقدير الكلفة التي تمكنه من المنافسة والفوز بالعقد.
دفتر شروط إذاً يترك الباب مفتوحاً أمام أسعار غير حقيقية، وهذا ما يعيد طرح السؤال الأهم: هل سينجح إطلاق مناقصة تلزيم الجمع والكنس والنقل قبل أن تتحدد مراكز المعالجة والطمر و/أو الحرق؟ وأي صفقة تطبخ لشكا وسبلين وزغرتا؟

يمكنكم متابعة بسام القنطار عبر | http://about.me/bassam.kantar




نسخة منقحة عن العقد القديم

يضم دفتر الشروط مئات الصفحات التي تحدد الأمور التقنية المرتبطة بطريقة احتساب الكميات ودفع المستحقات لأعمال الجمع، حيث سيعتمد السعر الإفرادي التعاقدي إن كانت الزيادة أو النقصان للكمية المرفوعة ضمن نسبة ٢٠% كحد أقصى عن الكمية الأساسية المحددة في العقد، أما إذا زادت أو نقصت عن هذه النسبة، فللإدارة أو المتعهد أن يطلب تعديل السعر الإفرادي بالاستناد إلى تحليل الأسعار التعاقدي. أما بالنسبة إلى الكنس، فاعتمد السعر المقطوع السنوي، ويجري تعديل السعر في حال انسحاب أو انضمام بلديات إلى نطاق العمل، على أساس سعر افرادي للكيلومتر الواحد الطولي يُحدَّد بالاستناد إلى السعر السنوي المقطوع التعاقدي مقارنة مع أطوال الشوارع الملحوظة في العقد.
وعلمت «الأخبار» أن حزب الكتائب كلف استشارياً متخصصاً درس دفتر الشروط والتعليق عليه، وسيطلب وزراء الكتائب من مجلس الوزراء تأجيل بتّ دفتر الشروط إلى حين ورود الملاحظات من الاستشاري، علماً بأن المعلومات الأولية تشير إلى أن العقد الحالي هو نسخة منقحة عن العقد القديم الموقع مع سوكلين مع إضافة عدد من التعديلات (قاعدة احتساب الأسعار مثلاً) لمصلحة المتعهدين الجدد!