أكثر من خلاصة يمكن الخروج بها من انتخابات نقابة محامي طرابلس، أمس، لانتخاب نقيب جديد، وهو المنصب الذي فاز به فهد المقدم المدعوم من تيار المستقبل وفريق 14 آذار. أبرز الخلاصات أن التحالفات السياسية لا يمكن الركون إليها لترجيح كفة مرشح على آخر وتأمين فوزه، وأن الكتلة المستقلة في النقابة أكدت أن لها دورها الذي منعت عبره هيمنة القوى السياسية على النقابة، مبقية على طابع نقابي لطالما تميزت به انتخابات نقابة المحامين.فما أفرزته صناديق الاقتراع في أمّ النقابات الشمالية، التي تأسست عام 1921، كشف أن التحالفات السياسية كانت متضعضعة. فقد أظهرت الخروقات الكثير من التصدّعات داخل صفوف الفريق الواحد، وأن لكل طرف حساباته الخاصة.

فحصول المقدم على 657 صوتاً، من بين 1143 محامياً اقترعوا من أصل 1242 محامياً يحق لهم الاقتراع، لم ينسحب على حليفه المرشح للعضوية باسكال ضاهر الذي حاز 436 صوتاً، ما أكد أن قوى 14 آذار لا يتجاوز سقف أصواتها التي تستطيع حشدها ما ناله ضاهر، وأن فارق الأصوات بين ضاهر والمقدم يعود إلى عوامل أخرى. وأبرز هذه العوامل استغلال الأخير علاقاته الشخصية، وكونه انتخب سابقاً مرتين في عضوية النقابة، فضلاً عن حصوله على قسم كبير من أصوات الكتلة المستقلة، وهي أصوات لم تُجيّر لحليفه، فكان هذا الفارق.
كتلة مستقلة
فرضت حضورها بالتصويت لمرشحين من فريقين مختلفين


لكن الفارق بين المقدم وضاهر لم يكن وحده ما استدعى التوقف عنده وقراءة نتائجه، بل إن الفارق الكبير بينه وبين منافسه على منصب النقيب زياد درنيقة (355 صوتاً) المدعوم من الوزير السابق فيصل كرامي وفريق 8 آذار والرئيس نجيب ميقاتي، والذي تجاوز 300 صوت، أظهر فجوات وثغر كبيرة في التحالف الذي دعم درنيقة. فقد كان لافتاً أن حليف درنيقة للعضوية المرشح جورج عاقلة، المقرّب من تيار المردة، حاز 591 صوتاً، ما أظهر وجود تصدّع داخل صفوف هذا التحالف كما في صفوف الفريق المنافس، مع فارق أن فريق 8 آذار ــ ميقاتي خاض الانتخابات بمهارة أقل، ولم يستغل كامل قدراته، ما يستدعي منه مراجعة سريعة، لأن خسارة بهذا الحجم يفترض ألا تمر بلا قراءة نقدية، وإلا فإن أي انتخابات مقبلة لن تكون نتائجها مختلفة عمّا حصل أمس إذا بقي الأداء على حاله.
عدم تماسك فريق 8 آذار وميقاتي كان درنيقة يتوجس منه قبل الانتخابات. وهو عبّر لـ»الأخبار» قبل فتح صناديق الاقتراع وتصويت المحامين أمس عن عدم اطمئنانه وعن قلقه من احتمال حصول خروقات.
وإذا كانت الانتخابات سيعقبها الكثير من الشائعات والاتهامات عن تبادل أصوات من تحت الطاولة، وجعل النتائج تستقر على ما استقرت عليه، فإن الانتخابات أثبتت أيضاً أن هناك كتلة مستقلة وازنة داخل النقابة استطاعت في أكثر من استحقاق في السنوات الأخيرة أن تسجل حضوراً عبر تصويتها لمرشحين من فريقين مختلفين، لتصنع بذلك الفارق بين المرشحين، ولتقول للقوى السياسية إن لها كلمتها التي ترفض أن يصادرها أحد.
أصوات هذه الكتلة كان يفترض أن تذهب إلى المرشح نواف المقدم، لكن انسحاب الأخير أراح قريبه فهد وجعل حظوظه أفضل في مقابل درنيقة، ما جعل الكتلة المستقلة التي تضم نقباء سابقين ومكاتب محاماة كبيرة تصبّ أغلب أصواتها لمصلحة فهد، إلى جانب عاقلة في العضوية، مبقية بذلك على قدر بسيط من التوازن في مجلس النقابة المكون بأغلبه من فريق 14 آذار.
أما المرشحون الأربعة الآخرون لمنصب النقيب، وهم كرامي شلق وبسام جمال وهمّام زيادة وغسان عكاري، فكانت نتائجهم متواضعة، رغم أنهم خاضوا الانتخابات من باب تأكيد حضورهم، ولحسابات نقابية وشخصية، وسط سعي لم يخفوه ليحصلوا على ما أمكنهم من أصوات الكتلة النقابية المستقلة في داخل النقابة. لكن حساباتهم خابت في ظل الاصطفاف السياسي والنقابي الذي شهدته الانتخابات.
كذلك فإن ترشح ستة محامين لمنصب النقيب لم يترجم تنافساً كبيراً على أرض الواقع، لأن أياً من المرشحين الأربعة لم يستطع كسر هذا الاصطفاف، على أمل أن يخلف أحدهم النقيب الحالي ميشال خوري في منصب النقيب، الذي يفترض أن يكون مسلماً هذه الدورة، التزاماً بعرف توزيع المنصب مداورة بين المسلمين والمسيحيين.
هذا الاصطفاف كسر الغموض الذي كان سائداً قبل الانتخابات عن نتائجها المتوقعة، كذلك فإن الحشد الكبير ونسبة الاقتراع الكبيرة شكلت عاملاً حسم النتيجة مسبقاً لمصلحة المقدم الذي عبّر لـ»الأخبار» قبل الانتخابات عن ارتياحه، مستنداً إلى «مؤشرات عديدة تجعل فوزي مرجّحاً، أبرزها انسحاب المرشح نواف المقدم، فضلاً عن تماسك القاعدة التي تدعمني سياسياً ونقابياً».
هذا الارتياح عاد المقدم وأكده بعد الانتخابات وصدور النتائج، إذ أشاد «بالروح الديمقراطية التي تجلت في العملية الانتخابية، وهي فوز للنقابة عبر العملية الديمقراطية»، مؤكداً أنه سيسعى إلى «خدمة النقابة وتطويرها نحو الأفضل، ورفع مستوى المحامين والدفاع عن قضاياهم المحقة»، وواعداً ببناء قصر عدل في عكار.
وعقب فوزه، زار النقيب الجديد وزير العدل أشرف ريفي الذي رأى أن «العملية الانتخابية انتصار للديمقراطية وللسياسة في آن واحد، وتأكيد أن طرابلس والشمال وفيان لنهج الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وعندما نقوم بواجبنا تجاه ثوابت قوى 14 آذار نحقق نتيجة متفاوتة مع الفريق الآخر في مختلف الصعد الاجتماعية والنقابية والبلدية».