«المصاري نازلة كبّ علينا»، هكذا أجاب أحد مسؤولي تيار المستقبل سائليه عن الأموال التي ستأتي إلى طرابلس، لإعادة إعمار المناطق المتضررة من الإشتباكات الأخيرة.على الورق، فإن المبالغ التي يفترض أنها ستضخّ الدم في اقتصاد المدينة المتهالك وجيوب المواطنين الخاوية، تناهز 170 مليون دولار. أقرّ أغلبية هذا المبلغ في عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، التي أقرّت 100 مليون دولار حينها، خصصت لتنفيذ مشاريع تنموية في المدينة. وبقي هذا المبلغ مجمّداً بسبب تباينات بين الوزارء الطرابلسيين في الحكومة الميقاتية حول كيفية صرف المبلغ.

أما القسم الآخر من الأموال فهو تعويضات عن أضرار جولة الاشتباكات الـ20 بين بعل محسن وباب التبانة، والتي بلغت تقديرات الخسائر فيها 55 مليار ليرة. إلا أن هذه التعويضات بقيت «حبيسة» نتيجة عدم وجود قرار سياسي بصرفها. هكذا، ورغم مرور سبعة أشهر على انتهاء الجولة الـ20، وبدء تنفيذ الخطة الأمنية في شهر نيسان الماضي، لم يصرف قرش واحد.
أول من أمس أضيف إلى هذين المبلغين مبلغان؛ الأول أقرّته حكومة الرئيس تمام سلام بتقديم 30 مليار ليرة لإعادة إعمار المناطق المتضررة، وتحديداً منطقة باب التبانة والأسواق القديمة وبحنين. أما المبلغ الثاني فهو ما تبرع به رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري، وقدره 20 مليون دولار.
بعض أبناء المناطق المتضررة سارع إلى إخراج ورقة وقلم وآلة حاسبة، محاولاً معرفة حجم الأموال التي ستأتي إلى المدينة، وما سيناله منها، وإن كانت حساباته أشبه بالذي يريد أن يشتري السمك وهو لا يزال في البحر! نظراً إلى سوابق كثيرة، فإن الطرابلسيين غير متفائلين كثيراً بأن تصل هذه المبالغ إلى مدينتهم وجيوبهم. فهم لن يصدقوا كل ما يقال من إعادة الإعمار قبل أن يشعروا بخطوات ملموسة على الأرض. وأوضح مصدر سياسي طرابلسي أن «التجارب السابقة لا تشجع على التفاؤل»، متسائلاً: «ما الذي يضمن ألا تلقى هذه الأموال مصير سابقتها ».
أحد الأمثلة على ذلك، أنه بعد انتهاء الجولة الاخيرة بين التبانة وجبل محسن، تبرّع الحريري بمبلغ 5 ملايين دولار لتجميل واجهات شارع سوريا الذي يفصل بين المنطقتين. كان لافتاً أن الواجهة دهنت باللونين الأزرق والأبيض (وهما لونا راية تيار المستقبل)، وقد جرى تلزيم المتر المربع الواحد من الطلاء والدهان بـ12 دولاراً. لكن الأشغال انتقلت من متعهد إلى آخر، قبل أن تستقر على متعهدين صغار نفذوا هذه الأشغال بتكلفة لا تزيد على دولار واحد لكل متر مربع من الواجهات! وأشارت المصادر إلى أن «الأموال لن تكون من جيب الحريري. فهو سيدفع الـ20 مليون دولار من حساب مبلغ الـ200 مليون دولار، الذي أراد اقتطاعه لهيئة الإغاثة العليا من ضمن الهبة السعودية للجيش اللبناني التي تبلغ مليار دولار». هذا يعني أن المال المرتقب والمخصص لمدينة طرابلس سيكون سياسياً بامتياز، وليس إنمائياً بحتاً، وسيسعى تيار المستقبل من خلاله إلى تعويم نفسه في المدينة. فقد شهد التيار الازرق في الفترة الاخيرة تراجعاً، خصوصاً في المناطق الشعبية والفقيرة التي شهدت الاشتباكات الأخيرة.
وبما أن المال الإنمائي في طرابلس سوف يكون سياسياً، فإن صراعاً مضمراً بدأت تلوح تباشيره بين تياري الحريري وميقاتي لهذه الغاية. فمنذ اليوم الأول لعودة الهدوء إلى المدينة، ظهر تنافس واضح بين قواعد التيارين لمساعدة المتضررين، وتخصيص ورش لمساعدة المناطق المتضررة في رفع الركام وإصلاح الأعطال وتقديم تعويضات.
غير أن ما يثير القلق وعدم التفاؤل من إطالة واستمرار هذا التنافس الإيجابي بين تيار المستقبل وجمعية العزم، هو التمديد المرجح للمجلس النيابي الأسبوع المقبل، ما سيجهض أي حافز لديهما لهذا التنافس، وأن تلقى هذه المبالغ المرصودة مصير سابقاتها، تجميداً أو هدراً.