لم يكد النائب سامي الجميل يسمع خلال زيارته السعودية كلاما عن استبعاد أي اتفاق قريب مع ايران، وتأخر الحل الرئاسي اللبناني، حتى انطلق في اعداد مبادرة شخصية للحوار بين المسيحيين. ويقول أحد المسؤولين الكتائبيين إن «الشيخ سامي اقتنع بالكلام السعودي حول ضرورة استيعاب المسيحيين لحجم المشكلة في المنطقة، ومحاولة الاتفاق فيما بينهم على الملفات المحلية».
وأول من أمس، ختم الجميل جولته على القادة المسيحيّين بلقاء رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، بعدما زار خلال الأيام القليلة الماضية، رئيس حزب القوات سمير جعجع، ورئيس تكتل التغيير والاصلاح ميشال عون، من دون أن يغير في المعادلة شيئا. وفي هذا السياق، يشير الوزير السابق يوسف سعادة الى أن الجميل تناول وفرنجية موضوع النازحين السوريين، ومخاطر المخيمات، كما عرض الجميل مسألة التشاور والتقاء القادة دوريا. كذلك «حاول عبثا تحريك الملف الرئاسي عبر الابتعاد عن طرح الأسماء مقابل تحديد مواصفات الرئيس المطلوب».
وهكذا، يحاول النائب سامي الجميل «عبثا»، منذ عامين، أداء دور ما في الوسط المسيحي، ولكنه غالبا ما يقع ضحية خطابه الاعلامي وقرارات الحزب السياسية المعاكسة لكلامه. أخيرا، أراد الجميل أداء دور حمامة السلام اللبنانية، من دون أن ينجح في تسليط الأضواء على مبادرته نتيجة عدم توصله الى أي خرق جاد في المشهد السياسي. لذلك، ما كان منه الا أن استفاد من هذه الأضواء لخلق «همروجة اعلامية» معتمدا استراتيجية الهروب الى الأمام: يُسأل في معراب عن التمديد،
تكفي مقارنة
بكفيا ببلدات قريبة منها للحكم على نشاط الكتائب الإنمائي

فيجيب أن «البديل هو نفض البلد من أساسه»، ويُسأل في الرابية عن فحوى حديثه مع عون فيبتسم للعدسة معلنا «فشله في اقناع عون بالنزول معه الى المجلس لانتخاب رئيس»، فيما حال استبقاء فرنجية له على الغداء دون تمكنه من اضفاء المرح على الشاشات.
في موازاة ذلك، يصعب على أي كتائبي اليوم معرفة ما يريده الحزب فعلا، وما مضمون أجندته السياسية والبرلمانية. سبق لعون أن رسم خارطة طريقه عبر تحالفه مع حزب الله، وتشبثه بحق وصوله الى سدّة الرئاسة، كما رسم جعجع لنفسه هالة تحدد موقعه في قوى 14 آذار، عبر اجبارها على تبني ترشيحه بعد تبنيه سعوديا، وأدائه دور قائد مسيحيي هذه القوى وحليف المستقبل السياسي، فيما يبدو حزب الكتائب ضائعا في شعاراته ودوره وقضيته، وحتى فريقه السياسي: لا الجميل الأب تمكن من تحديد خياراته السياسية وحلفائه، ولا الابن نجح في ما فشل فيه والده، اذ لم يتمكن حزبيا من تكرار تجربة شقيقه في قيادة الكوادر الشابة، ونسج العلاقات معها، ولا تمكن من التأثير في قرارات الحزب السياسية، أو أقله استيعاب ابن عمه النائب نديم الجميل. لذلك غالبا ما يتأرجح الحزب بين معارضة سامي الحادة لقرارات الحزب، ثم اضطراره إلى الالتزام بها، وبين تحديد هويته السياسية: في فريق 14 آذار أو إلى جانبه.
برلمانيا، أثبتت تجربة النائب جورج عدوان خلال مناقشة سلسلة الرتب والرواتب أن مزاحمة العونيين على التشريع ليست أمرا صعبا، برغم ذلك، لا يجد سامي ولا رفقاؤه أنفسهم معنيين بهذا الشق. وزاريا، يستفيد التيار الوطني الحر من وزرائه لتحسين ظروفه في الأقضية. وها هي القوات تنجح بالحصول على خدمات صحية واجتماعية من دون أن تكون ممثلة في مجلس الوزراء، فيما لا يولي نائب بكفيا أهمية لتدعيم زعامته المتنية وفي مناطق النفوذ الكتائبي، برغم تمثل الحزب بثلاثة وزراء. تكفي هنا مقارنة بكفيا ببعض البلدات القريبة منها، للحكم على نشاط الشيخ سامي الانمائي، اذ كان أسهل عليه التفرغ لاعداد استراتيجية عسكرية لحماية الحدود، وأخرى لحماية اللبنانيين من مرض الايبولا (قدمها الى وزير الصحة منذ نحو أسبوع)، من اعداد مشروع إنمائي جدّي للمتنيين.
أما سياسيا، فالحزب دخل الثلاجة بعد فشله في فرض نفسه طرفا أساسيا يصعب إغضابه والتخلي عنه، وعدم قدرته على قلب طاولة قوى 14 آذار عند اللزوم، فيما، على المقلب الآخر، خلصت قوى 8 آذار الى الاستنتاج بأن سامي لا يختلف عن والده، وأن الاثنين لا يعوّل عليهما.