مع الأسف، تفوقت كوريا الشمالية هذه المرة على لبنان. اللبنانيون اكتفوا بتسمية مطار بيروت ومدينتها الجامعية باسم الرئيس رفيق الحريري، مطوبين لتماثيله الساحات قبالة السرايا الحكومية وتمثال الشهداء وخليج مار جرجس، محولين أحد موظفيه إلى رئيس حكومة، ومطلقين اسمه على عشرات الشوارع والأوتوسترادات. أما الكوريون، فجعلوا يوم ميلاد قائدهم التاريخي كيم إيل سونغ عيداً وطنياً لشبه جزيرتهم. وها هي الاستعراضات العسكرية تطوف في شوارع بيونغ يانغ، وتُستقدَم الفرق الفنية والرياضية للاحتفال. تيار المستقبل في بيروت، يحيي الذكرى، إنما «على قدّه».
لا صواريخ نووية، ولا كتائب جنود حديدية، لكنه لا يفوّت فرصة إبقاء «القائد الخالد» حياً: دموع عالقة في عيني الوزير السابق غازي العريضي، وبطاقة معايدة من النائب عاطف مجدلاني، وأنشطة مدرسية يرسم فيها الأطفال الورود والشموس حول صور «الرئيس الشهيد». يُلصق الأطفال الصور على رؤوسهم، ويجمعونها قطعة قطعة بعدما جعلتها إداراتهم على شكل «بازل»، ويضيئون شموعاً تنير وجه الشهيد المرسوم على كؤوس زجاجية. تماماً كما في مدارس أنظمة يتّهمها «مثقفو» التيار وحلفائه بـ»الشمولية» و»الفاشية»، حيث تربية الأجيال منذ الصغر على تقديس «الأب القائد».
يبدو الأمر استثنائياً فعلاً؛ يمكن تفهم عدم إيجاد النائب نديم الجميل شيئاً يفعله من عام إلى آخر، فيزور مع وسائل الإعلام ضريح والده أو نصبه التذكاريّ عند ساحة ساسين في ذكرى عيد ميلاده. وبالطريقة نفسها يستذكر النائب سامي الجميل شقيقه. هناك كثيرون يحتفلون بأمواتهم في ذكرى ميلادهم، لا ذكرى وفاتهم، لاعتيادهم معايدتهم في هذا اليوم. حتى دعوة الرئيس سعد الحريري عام 2009 أصدقاءه وأصدقاء الرئيس رفيق الحريري إلى سهرة غنائية تحييها الفنانة ماجدة الرومي يمكن تفهمها ما دامت أوضاع البلد شبه طبيعية. أما ما يصعب تفهمه، فهو إيجاد رئيس تيار المستقبل الوقت، بالتزامن مع المواجهات الطرابلسية الأخيرة، للمشاركة في احتفالات الممثل جورج كلوني والمحامية أمل علم الدين بزواجهما في لندن. في وقت لا يجد فيه تياره شيئاً يفعله على امتداد الأزمة، سوى الاحتفال بعيد ميلاد مؤسسه. كيف يواجه تيار المستقبل من يحاولون استقطاب الأطفال والمراهقين بشتى الوسائل؟ بتنظيم رحلة بالباص من طرابلس إلى «الضريح» للاحتفال بذكرى ميلاد الرئيس الشهيد. ماذا نقول لأطفال تجتهد ماكينة التكفيريين الإلكترونية لجذبهم بأحدث الوسائل؟ ندعوهم إلى رسم زهور وورود ونجوم تتوسطها صور الرئيس الشهيد.
لا يجد تيار المستقبل على امتداد الأزمة شيئاً يفعله سوى الاحتفال بعيد ميلاد مؤسسه
المدارس الوهابية تخرّج سنوياً نحو 36 ألف وهابي صغير، فيما المستقبل يعيد التذكير بتعليمه في الأيام الغابرة 36 ألف طالب.
لا يكتفي النائب عاطف مجدلاني بمخاطبة الرئيس رفيق الحريري بينه وبين نفسه، يحرص على نشر محادثتهما في الإعلام: «الموت يا أبو بهاء ما بيلقبلك». ولعلّ الحريري لا يعلم. يطمئنه مجدلاني مؤكداً أن «مدرستك ونهجك في أيدٍ أمينة». في مدرسة «الحاج بهاء الدين الحريري» الصيداوية كان الأسبوع الماضي أشبه بأسبوع عيد الميلاد في المدارس الكاثوليكية: خصصت ساعة من الدوام المدرسي لـ «استذكار مسيرة الرئيس الشهيد». أطفال الروضة أضاؤوا الشموع. أطفال الابتدائي لوّنوا إطارات ورقية لصور الحريري، محيطين إياها بالحمامات البيضاء. أطفال الصفوف المتوسطة «ركّبوا بازل»، وكتب التلامذة الأكبر أشعاراً. يخلط تيار المستقبل بين كونه حزباً سياسياً يعوّل عليه لمحاصرة انتشار التكفيريين، وكونه مؤسسة تتبع لنادٍ رياضي. وها هو في بعلبك، يصيب عصفوري رأس السنة الهجرية وعيد ميلاد الحريري بتنظيمه يوماً رياضياً، لعب فيه أطفال تراوح أعمارهم بين 4 و10 سنوات ميني فوتبول. في عكار، مثلت بطولة في الميني فوتبول أيضاً أبرز أنشطة المستقبل منذ أكثر من عامين. وفي خطابه، أشار أحد منسقي المستقبل إلى أن الأنشطة الرياضية والثقافية تشغل الشباب عما يضرهم، داعياً إلى مواجهة التدخين والنارجيلة والمخدرات. على ما يبدو، هذه هي الأخطار التي تواجه الوطن وجمهور الرئيس الشهيد اليوم، بنظر المستقبليين. ولا سبيل لمواجهتها إلا بالمزيد من الرياضة والرسم والتلوين.