لم تكن اجتماعات رئيس الحكومة تمام سلام على هامش انعقاد «مجموعة الدعم الدولية للبنان» و«مؤتمر النازحين السوريين» في برلين، الثلثاء، اقل اهمية من مداولات المؤتمرين. بعض ما سمعه من محدثيه، او ادلى به امامهم، ابرز اهمية الخوض في مقاربة جديدة لملف النازحين السوريين في البلدان المجاورة لسوريا، وخصوصا لبنان، بما يتخطى فكرة الاكتفاء بالمساعدات المالية الى تداعيات النزوح على استقرار المنطقة برمتها. كانت اللقاءات الابرز مع المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، ومساعدة وزير الخارجية الاميركية لشؤون السكان واللاجئين والهجرة آن ريتشارد، ووزيرة التعاون الانمائي السويدية ايزابيلا لوفن.

اما اللقاء بوزير الخارجية الالماني فرانك ـ فالتر شتاينماير فلم يطل، واقتصر على مناقشة بعض بنود البيان الختامي لمؤتمر النازحين.
خصص للقاء ميركل بسلام الاثنين 45 دقيقة، الا انه استمر ساعة تناول ملفات اقليمية بدءا بالبرنامج النووي الايراني مرورا بالعلاقات الروسية ـ الاميركية والوضع في سوريا، وصولا الى الاحداث الاخيرة في ليبيا، ما حمل ميركل على القول بضرورة «اخذ العبرة من ليبيا كي لا تتكرر الاخطاء نفسها في دول اخرى». تطرق الحديث الى انتخابات الرئاسة اللبنانية ودوافع عدم اجرائها، فلفت سلام الى «فقدان التوازن في البنية المؤسسية اللبنانية في لبنان عندما لا يكون هناك رأس لهرم الدولة». في ملف النازحين السوريين، اظهرت المستشارة الالمانية اهتماما بمساعدة لبنان بازاء عبء النزوح، الا انها شكرت للحكومة اللبنانية ما عدّته «انفتاح لبنان سلطات ومجتمعا عندما برهن لدى استقباله النازحين السوريين عن ترحيبه بهم وضيافته في ايوائهم».
ابلغت الى سلام ان بلادها على «استعداد تام لدعم لبنان على كل الصعد، والعمل على اجتذاب دول اخرى للمساهمة في مؤازرته وخصوصا في الشق الانمائي»، قبل ان يتولى وزير التنمية الالمانية ـ وكان حاضرا الاجتماع ـ التأكيد ان مساعدات بلاده «لن تكون وحيدة، بل ثمة مساعدات لاحقة من ضمن رؤية تقول بتواليها تباعا». سرعان ما كرر هذا الموقف، اليوم التالي الثلثاء، في «مؤتمر النازحين السوريين».
سلام رداً على
مسؤولة أميركية: قرار الحكومة لا ينص على طرد النازحين


لم تفصح ميركل في الاجتماع عن المساعدة المالية الالمانية، قبل ان تصل الى مسامع رئيس الحكومة مساء الثلثاء، قبل ركوبه طائرة العودة، انها في حدود 640 مليون يورو لدول الجوار لسوريا، منها 140 مليون يورو للسنة الحالية، حصة لبنان منها 54 مليونا، على ان يصير الى توزيع 500 مليون يورو للسنوات الثلاث المقبلة وفق برنامج يُعدّ لاحقا.
تطرق الحوار بين سلام وميركل ايضا الى قرار الحكومة اللبنانية الحد من النزوح السوري، واقران تنفيذه بتطبيق القوانين اللبنانية، فعلقت المستشارة الالمانية بعد اصغائها الى وجهة النظر اللبنانية، انها تعتبره «قرارا سياديا لبنانيا»، مبدية تفهمها دوافعه.
في اجتماعه بها، ابلغت ريتشارد سلام تفهمهما قرار لبنان الحدّ من النزوح، وقالت: «ما نريده منكم هو ان لا تدفعوا النازحين السوريين الى مغادرة لبنان وطردهم».
ردّ سلام: «لسنا في وارد طرد النازحين بل تطبيق القوانين اللبنانية. النازحون المقيمون في لبنان قانونيا هم في ظل الدولة وموضع ترحيبها. اما الموجودون على ارضنا خلافا للقانون، فإن صفة النازح تنزع عنهم الى ان تُسوّى اوضاعهم. لم نقل في قرار مجلس الوزراء اننا سنطرد مخالفي القوانين اللبنانية، بل نزع صفة النزوح عنهم. عندئذ يصبح وجود هؤلاء غير قانوني، ويخضعون لآلية عمل القضاء».
تناولت المسؤولة الاميركية كذلك المساعدات، وأكدت ان بلادها تعتمد طريقة توزيعها عبر اجهزة الامم المتحدة وبعض المؤسسات غير الحكومية، لكنها شددت على ان الادارة الاميركية «ستستمر في تقديم مساعدات على المستويين الاجتماعي والانساني، ودعم المشاريع الانمائية في لبنان». اكدت ايضا استمرار ادارتها في تسريع وتيرة تسليم الجيش اللبناني مساعدات عسكرية واسلحة، ولاحظت ان واشنطن «تدرك اهمية دعم الجيش آخذة في الاعتبار ان الدعم السياسي والشعبي له ساعد كثيرا في القرار الخارجي لدعمه ومده بالمساعدات والاسلحة».
في حصيلة الموقف الاميركي تقديم مساعدة بـ10 ملايين دولار لبرنامج الامم المتحدة للتنمية توزّع على دول جوار سوريا، وخصوصا لبنان والاردن.
وابلغت وزيرة التعاون الانمائي السويدية ايزابيلا لوفن الى رئيس الحكومة، في معرض مناقشة ملف النزوح، ان 55 الف سوري تقدموا من الدوائر الرسمية في بلادها بطلبات لجوء سياسي. قالت ان حكومتها التي لم يمضِ على وصولها الى الحكم ثلاثة اسابيع تتحضر للاعتراف بدولة فلسطين، وتستعد في الوقت نفسه لاطلاق موقف يؤكد دعمها قيام الدولتين الفلسطينية والاسرائيلية متجاورتين.
لاقاها سلام بالقول ان «مكافحة الارهاب والتطرف خصوصا يكون دائما بالاعتدال»، مشيرا الى ان «مفتاح الاعتدال في العالم العربي هو الصراع العربي ـ الاسرائيلي»، عازيا «اسباب التطرف الى القهر الذي شعر به الشعب الفلسطيني، فاقدا حقوقه وارضه وبلاده». وقال للوزيرة السويدية: «ما يجري في الشرق غير محق».
اخطرته بدورها ان السويد قدمت 8،5 ملايين دولار مساعدة للبنان «على ان ترصد الموازنة المقبلة مبلغا اكبر» في الصندوق الائتماني المنبثق من «مجموعة الدعم الدولية للبنان»، وقالت له ان حكومتها «تتفهم قرار الحكومة اللبنانية الحدّ من النزوح».
تزامن ذلك مع تخصيص هولندا خمسة ملايين يورو للصندوق الائتماني ايضا.