بتأنٍّ تدورالحاجة فاطمة السبلاني حول زيتوناتها. تلملم بعناية الحبات الخضراء التي سقطت على الأرض، وأغفل أفراد عائلتها التقاطها، لتعود وتضمّها إلى غلتها داخل عباءتها، التي حوّلتها بعقدة بسيطة إلى سلة لجمع حبّات الزيتون. تحرص الحاجة السبعينية على كل حبّة «ما في موسم السنة، يا دوب نطلّع السنة مونتنا نحنا والولاد». تتحدث المرأة وهي تشير إلى أشجار بستانها الصغير الذي فتك به الصقيع، وأمعن في يباس أغصان عديدة، ما اضطرها إلى تشحيل غالبية الفروع المتشققة واليابسة.
في البزالية لم يرحم الصقيع أيضاً أشجار الزيتون. حوّل بساتين بأكملها إلى نصوب يابسة. أحمد البزال لم يجن من بستانه سوى 20 كيلو من الزيتون «بالوقت اللي كنا فيه نقطف أكثر من 250 كيلو ونعتمد ع الزيتونات لمونتنا ولتأمين حاجيات شتويتنا». من نحلة إلى يونين والفاكهة ورأس بعلبك وصولاً حتى القاع لا يبدو المشهد مختلفاً، لجهة يباس أشجار الزيتون وتشقّق جذوع بعضها، وضآلة إنتاج هذا العام، وإن تفاوت بين بستان وآخر، بحسب موقعه الجغرافي وإصابته المباشرة بالصقيع.
موسم الزيتون يعيش انتكاسة حقيقية في البقاع. معاصر الزيتون التي كانت تغص في مثل هذه الأيام بالمزارعين منذ ساعات الصباح الأولى، سعياً خلف موعد قريب، يقتصر عملها على عصر كميات محدودة من الزيتون لمونة منزلية، كما يؤكد محمد عمر عضو الجمعية التعاونية الزراعية في الهرمل. في معصرة الجمعية التي تعتبر أكبر معاصر الزيتون الثلاث في الهرمل، يؤكد عمر أن «لا موسم للزيتون في الهرمل». كيف لا، وهو يشدد أن الإنتاج يتراوح بين 5 و10%، مقارنة مع إنتاج الأعوام الماضية. إنتاج الهرمل من الزيتون وصل إلى ما يقارب 4000 طن و15 ألف تنكة زيت، في حين تدنّت لتصل إلى عصر 718 طناً من الزيتون في عام 2013، وما لا يزيد على 100 طن هذا الموسم.
عشرات آلاف أشجار الزيتون المنتشرة في سهول وجرود قرى بعلبك ـ الهرمل تضررت بشكل متفاوت نتيجة موجة الصقيع التي ضربت المنطقة مع العاصفة «ألكسا» في كانون الأول من العام الماضي، بحسب خالد ياغي مدير مديرية جهاد البناء في البقاع.
الوضع ليس أفضل في الجنوب. حتى إن انتظار «الشتوة الأولى» لبدء القطاف لم يساعد المزارعين كثيراً في زيادة الانتاج،
وصل سعر تنكة الزيت إلى 250 ألف ليرة في بعض المناطق


فأشجار الزيتون تراجع إنتاجها كما يشير معظم المزارعين في المنطقة، والسبب يعود إلى «الجفاف الذي حلّ في العام الماضي». تراجع الموسم شكّل كارثة على بعض المزارعين، أو ما تبقى من المزارعين الذين يعملون في قطاف الزيتون، إذ يقول حسن حمادة (الصوانة) «كنا نعمل أكثر من أربعين يوماً لنحصد أكثر من خمسين تنكة زيت، يعادل ثمنها حوالى 5000 دولار، أما هذا العام فيبدو أننا لن نحصل على أكثر من ألف دولار بسبب تراجع الانتاج».
تملك فاطمة زين الدين، من بلدة الجميجمة (بنت جبيل) 30 شجرة زيتون، كانت تنتج أكثر من أربع تنكات زيت، أما هذا العام فقد أنتجت أقل من نصف تنكة فقط. ويتحدث أصحاب المعاصر عن ارتفاع سعر الزيت هذا العام الى حده الأقصى، إذ تباع تنكة الزيت في المنطقة بسعر 250 ألف ليرة، أي بزيادة 100 ألف ليرة عن العام الماضي. ويشير صاحب المعصرة الحديثة في بلدة الطيري، مصباح شعيتو، إلى أن «ارتفاع أسعار الزيت ناجم عن شحّ الموسم وارتفاع بدل الأيدي العاملة من السوريين، فالعامل السوري يتقاضى أجراً يومياً يعادل 40 ألف ليرة لكنه لن يستطيع قطاف أكثر من 20 كلغ من الزيتون كل يوم، لأن الأشجار لا تحمل كثيراً ويصبح قطافها صعباً، وبالتالي فإن استئجار العمال أمر مكلف جداً».
ويلفت المهندس الزراعي حسين جابر الى أن عدداً كبيراً من المزارعين «لم يلتزموا بإرشادات وزارة الزراعة واتحادات البلديات، والتي تتعلق بطريقة العناية بأشجار الزيتون ويعود ذلك إلى أسباب اقتصادية. فالمزارعون لا يستطيعون تكبّد تكاليف شراء السماد للأرض والمياه لريّ الأشجار».
أما في قرى العرقوب وحاصبيا، فقد بكّر المزارعون في قطاف الزيتون هذه السنة لإنقاذ موسمهم من تساقط حبات الزيتون جراء تساقط الأمطار، بعدما أصاب شجر الزيتون مرض «ذبابة الزيتون» الذي يتسبّب بتساقط ثمرة الزيتون قبل نضوجها. وهذا ما قد يرفع من سعر التنكة.
يئنّ حسام عبد العال (مزرعة حلتا)، من تدنّي الإنتاج. لا مدخول للرجل سوى قطاف الزيتون الموسمي، ما يجعله يسجل عتباً على الدولة «التي يجب أن تعرف أن ما أبقانا في هذه المنطقة التي تتعرض للاعتداءات الاسرائيلية هو هذه الاشجار. ولو كانت دولتنا تحترم نفسها ويهمها تحصين صمودنا، لكانت دعمت هذه الزراعة وحمت إنتاجنا من الزيت المهرّب».
من جهته يعيد الشيخ فضل البطحيش (الماري) تدني نسبة الإنتاج إلى سببين، أوّلهما قلة الامطار ما جعل حبة الزيتون ناشفة، والسبب الثاني المرض الذي أصابها «نتيجة هطل الامطار الغزيرة قبل أسبوع، وبعدها شحت مرة واحدة». يشرح «هذا المطر لا ينفع الزراعة وخاصة الزيتون».
يفنّد توفيق محمود (حاصبيا) كلفة تنكة الزيتون، بدءاً من كلفة الحراثة ورش الادوية مروراً بكلفة القطاف وأجرة العمال، ومصاريف البنزين وصولاً إلى معدّات القطاف. يقول: «هذا الموسم لم ينتج كلّ كعب في أحسن الاحوال اكثر من 20 كيلو زيتون، أي 5 كيلو زيت». في المقابل «تحتاج كل شجرة إلى فلاحة مرتين في السنة، عدا عن ثمن الأدوية والتقليم وأجرة العامل». وتبقى أجرة العصر، ليصل بالنتيجة إلى القول إن «كلفة التنكة مقارنة بسعر بيعها حسب ما تشتريها المعصرة من المزارعين بـ140 ألف ليرة لا تغطي كل هذه الاكلاف، ويجب أن يكون سعرها 200 ألف ليرة لكي نستطيع سداد الديون والمصاريف». وتمنى على الدولة أن تتعامل مع مزارعي الزيتون كما مزارعي التبغ، وأن تشتري الإنتاج بما يضمن تعب المزارع، وتحمي إنتاجه من الإنتاج المهرّب.
في المقابل، يلفت صاحب معصرة بين راشيا الفخار وكفرشوبا، وليد دقماق، إلى أن نوعية الزيت أكثر من ممتازة، «لأن مادة الأسيد فيه متدنية جداً بسبب قلة المياه».