«وكالة الأناضول للأنباء». اسم تصدّر الضوء حديثاً مع تصاعد الدور التركي في المنطقة تزامناً مع الأزمة السورية والدور التركي داخلها. الوكالة الرسمية ذات المكتب التمثيلي اليتيم في بيروت (2013) يبدو أنّها سحبت البساط من تحت أقدام «الجزيرة» وأخذت دورها في مهمة الترويج للجماعات المسلحة والتحدث باسمها. إذا أردنا معرفة آخر أخبار الجماعات الإرهابية، ما لنا إلا هذه الوكالة. وإن لم نفعل ذلك، فإنّ باقي وسائل الإعلام المحلية والعربية بكل تفرعاتها تقوم بالواجب في نشر الأخبار الصادرة عنها. لطالما أتقنت القناة القطرية بناء قاعدة شعبية لها، خصوصاً مع صعود نجم «القاعدة». راحت تمرّر بيانات التنظيم ورسائل قادته بالصوت والصورة بشكل حصري. وانتقلت بعد ذلك لمواكبة جبهة «النصرة» وتحديداً ملفيّ «مخطوفي إعزاز» و«راهبات معلولا». تتكرر المشهدية عينها دوماً من بث لصور مذلة ضربت بعرض الحائط كل مواثيق حقوق الإنسان والإتفاقات الدولية، وهدفها تبييض صفحة الجناة والمجرمين وإسباغهم بمظهر إنساني يحرص على معاملة الأسرى بطريقة جيدة.
بعد هذا «الباع» الطويل في المتاجرة بالقضايا الإنسانية والترويج لخفافيش الظلام، تطل علينا وسيلة إعلامية تركية من الباب العربي لتبث كل ما يصدر عن «النصرة» في ظل زحف هذه الجماعات المسلحة صوب لبنان ومحاولة إيجاد موطىء قدم لها. الوكالة التركية تتابع بدقة ما يحصل في لبنان، وهي على تواصل مباشر مع قيادات هذا التنظيم. يتجلى ذلك في التقارير المنشورة التي تتضمن عبارات «حديث خاص»، و«مصدر قيادي في النصرة»… ومع احتدام المعارك الدائرة في طرابلس بين الإرهابيين والجيش اللبناني والإرتباط الوثيق لهذه المعارك بقضية الجنود اللبنانيين المختطفين، نشرت «وكالة الأناضول للأنباء» أول من أمس صوراً أقلّ ما يقال عنها بأنّها «مهينة» خصتها «النصرة» بنشرها كما جاء في تقرير مراسلها جاد يتيم. صور تظهر بوضوح الطريقة المذّلة التي يعامل بها الجنود اللبنانيون من قبل جبهة «النصرة». ووعدتنا الوكالة التركية بأنها ستبث لاحقاً فيديو يتضمن «تحذيراً من أن حياة (الجنود) مرهونة بوقف الجيش لـ«الحملة ضد أهل السنة»».
في تقرير الوكالة إياه، لا شيء يشي بالبراءة والنقل الخبري لبيانات «النصرة» بما أننا قد نسلم جدلاً أن التنظيم الإرهابي اختارها لتكون بوقه والأداة المرّوجة له. التقرير يستعرض خبر «الصور الحصرية» للجنود وسلسلة الأحاديث والإتصالات التي أجرتها الوكالة مع «النصرة»، ويفتح الجدل مجدداً حول مصير الجندي علي البزّال الذي أعلمتنا الوكالة بأنه لن يظهر في الفيديو، فأرخت بذلك غموضاً حول مصيره.
طبعاً، يتزامن هذا مع تهديد التنظيم بتصفية البزال، وإثارة المزيد من الخوف والرعب في نفوس ذويه. يعيد التقرير التذكير ببيانات «النصرة» السابقة على تويتر في ما خصّ معركة طرابلس و«الرد على معارك الجيش اللبناني». ولم تنس أن تطمئن القراء عن لسان «قيادي في النصرة» بأنّ إعدام الجندي البزال قد تأجّل!.