انفجر الوضع الأمني على نحو خطير في طرابلس مساء أمس، بعد أقل من 48 ساعة على الضربة الأمنية الاستباقية التي وجهها الجيش لخلية بلدة عاصون ـ الضنية، وإلقائه القبض على أحمد سليم الميقاتي الرأس المدبر للخلية المرتبطة بتنظيم «داعش». هذا الانفجار توسعت حدته ليل أمس، ليتحول إلى ما يشبه التمرد المسلح شمل مساحة واسعة من عاصمة الشمال. وقالت مصادر وزارية لـ»الأخبار» إن من يقود هذا التمرد هم المسلحون التابعون لـ»جبهة النصرة» و»داعش» وبعض القوى المحلية السلفية.
وقالت المصادر لـ»الأخبار» إن الجيش كان يتوقع حدوث اعتداءات عليه، بعد عملية عاصون أول من أمس. فرأس الخلية، أحمد سليم الميقاتي، على تماس مع مختلف القوى المتشددة في طرابلس، وتربطه صلات جيدة بمعظم المجموعات السلفية المقاتلة في المدينة. وسرت بين المقاتلين أمس شائعة تشير إلى أن الميقاتي فارق الحياة داخل مركز توقيفه التابع للجيش. وتعزّزت هذه الشائعات بمعلومات أشارت إلى أن ذوي الميقاتي تلقّوا اتصالاً من مجهول يطلب منهم تسلم جثة ابنهم.
وأكّدت المصادر الوزارية أن «المسكّنات لم تعد تنفع في طرابلس. نحتاج إلى عملية أمنية واسعة لإنهاء» هذا التمرد. وشدّدت على وجود قرار لدى قيادة الجيش والسلطة السياسية لتخليص المدينة من المظاهر المسلحة، كاشفة عن بدء الإعداد لهذه العملية.
وفي سياق متصل، أكّدت المصادر الوزارية أن التحقيقات بشأن خلية عاصون أظهرت وجود تواصل بين الموقوف الميقاتي وعضو كتلة المستقبل خالد ضاهر. وأشارت المصادر إلى عدم قيام الدليل على تورط ضاهر في إدارة عمليات إرهابية أو الإعداد لها، لافتة إلى أن دور النائب العكاري «اقتصر على تشجيع عمليات الفرار من الجيش». ورفضت مصادر عسكرية الإفصاح عمّا دار في التحقيق مع الموقوف الميقاتي، ناصحة بانتظار نتائج التحقيق.
ميدانياً، ساد التوتر شوارع طرابلس بعد اعتقال الجيش مطلوبين في منطقة المنكوبين، أحدهما من آل صالحة والآخر من آل ضناوي، بعد تبادل لإطلاق النار معهما. وفي ساعات الظهر، انتشر عددٌ من المسلحين المقنعين في الأسواق الداخلية للمدينة، حمل بعضهم أسلحة صاروخية ورشاشات متوسطة. وقرابة الثامنة والنصف مساءً، استهدف المسلحون دورية للجيش قرب خان العسكر، في داخل منطقة الأسواق القديمة، خلال قيام الجيش بعملية دهم في المنطقة بحثاً عن مطلوبين. وما لبث الاعتداء أن تطور إلى اشتباكات عنيفة امتدت خلال أقل من نصف ساعة لتشمل معظم منطقة الأسواق، من السويقة إلى أسواق البازركان والنحاسين والكندرجية والسوق العريض وخان الخياطين والسرايا العتيقة وسوق الصاغة والتربيعة، وهذه الأخيرة هي مسقط رأس الميقاتي وفيها يقع منزله الذي دهمه الجيش بعد إلقاء القبض عليه.
دور خالد ضاهر
اقتصر على
التشجيع على الفرار من الجيش


تطور الاشتباكات على هذا النحو دفع الجيش إلى إغلاق جميع الطرقات والشوارع المؤدية إلى المنطقة، وتحديداً عند محلة التل، وعند نزلة القلعة باتجاه منطقة أبي سمراء، وعند نزلة المشروع باتجاه منطقة القبة، وعند دوار نهر أبو علي باتجاه بولفار نهر أبو علي المؤدي إلى قلب منطقة الأسواق القديمة.
ومع أن الجيش قام بهذا التدبير من أجل تطويق المسلحين الموجودين داخل منطقة الأسواق، ومحاصرتهم ومنع تمدّدهم خارجها أو فرارهم منها، فقد كانت المفاجأة أن الاشتباكات لم تبق أسيرة هذه المنطقة فقط، إذ امتدت إلى خارجها، وسمعت أصوات الرصاص ورصاص القنص في مختلف أنحاء المدينة، كما سمعت أصوات انفجارات قذائف وقنابل، وخلت شوارع المدينة إلا من عربات الجيش اللبناني وسيارات الإسعاف التي كانت تعمل على نقل الجرحى إلى المستشفيات، الذين لم يعرف عددهم بعد، إلا أن معلومات تحدثت عن سقوط ثلاثة جرحى في صفوف الجيش اللبناني، وعن مقتل مسؤول أحد المجموعات المسلحة وجرح آخرين.
وطرأ تطور أمني لافت وخطير على الاشتباكات، لم يسبق أن حصل من قبل، تمثل في دخول مسلحين إلى كنيسة السريان الكائنة في شارع الكنائس في الزاهرية، التي لا تبعد سوى عشرات الأمتار عن منطقة الأسواق القديمة، والتحصن فيها، وأن الجيش ضرب طوقاً أمنياً حولها.
وإذا كان ظاهراً أن اشتباكات أمس نشبت بفعل عملية دهم للجيش، فإنها في المضمون جاءت ردّاً على عملية الجيش في عاصون، حيث خرجت الخلايا النائمة إلى العلن في طرابلس في توقيت واحد ومنظم على ما يبدو، مترافقة مع بث شائعات سبقتها عن وفاة ميقاتي، مرة جراء إصابته بطلق ناري أثناء توقيفه أو تحت التعذيب، لاستثارة العواطف والعصبيات.
لكن مصادر سياسية أوضحت لـ«الأخبار» أن «اشتباكات أمس ليست مجرد ردّ فعل فقط على توقيف الميقاتي والقضاء على خليته في الضنية، بل تهدف في الأساس إلى الاصطدام بالجيش، بعد حملة منظمة من التحريض عليه، وإجباره على الخروج من المدينة، أو من بعض أنحائها، تمهيداً لوضع مسلحين وتنظيمات اليد عليها، وتحويلها إلى قاعدة لهم»، مرجّحة أن «تشهد الساعات والأيام المقبلة سخونة أمنية لافتة».
وفي السياق، تعرّضت آلية تابعة للقوة الأمنية المشتركة صباح أمس لإطلاق نار على أوتوستراد العبودية ــ منجز عند مفرق قشلق. وفيما سرت معلومات عن أن إطلاق النار مصدره الجهة السورية، أشارت معلومات أخرى إلى أن «إطلاق النار على الدورية مصدره الجهة اللبنانية للحدود».
على صعيد آخر، أكد بيان صادر عن مديرية التوجيه في الجيش أنه بنتيجة فحوصات الحمض النووي الـDNA على إحدى جثث المسلحين الذين قتلهم الجيش في عاصون الضنية فجر أول من أمس، «تبين أنها عائدة للمجند الفار عبد القادر الأكومي».




لائحة المطالب غير رسمية

لم تصل مسألة العسكريين المختطفين لدى الإرهابيين في جرود عرسال المحتلة إلى أي تطوّر لافت عدا عن الحديث عن عودة الموفد القطري إلى الوساطة. ونقلت قناة «LBCI» ليلاً عن مصادر أن «الحكومة اللبنانية لا تعترف سوى بالقناة القطرية كقناة للتفاوض مع خاطفي العسكريين». وفي السياق، قال مصدر وزاري لـ«الأخبار»، تعليقاً على المعلومات عن تسلّم الحكومة لائحة بأسماء مطلوبين لمقايضتهم بالعسكريين، إن «الرسالة التي وصلتنا غير رسمية، ونحن لا نعرف إن كانت هذه مطالب حقيقية للخاطفين».