الجزائر | من مهد «الربيع العربي» سيُعلن الطلاق مع المرحلة الانتقالية عبر الانتخابات التشريعية المقررة بعد غد الأحد، وليست «بلاد الياسمين» وحدها المعنية بهذا الاستحقاق. فبقدر ما تتوجس تونس من الجارة ليبيا وتأثير توتراتها على الانتخابات، تعيش «الأخت الكبرى» الجزائر حالة ترقب للانتخابات على المستوى الشعبي أولا، ثم السلطوي، رغم أن المعطيات السابقة والحاضرة توحي بأن الجزائر حسمت ضرورة نجاح الانتخابات بعد لقاءات وزيارات متكررة لمختلف الشخصيات التونسية إليها.

بالتوازي مع الانتخابات التونسية، يتصاعد الضغط لدى السلطة في الجزائر مع تخوفها من رؤية شعبية اتجاه نجاح الانتخابات على أنها نتيجة لـ«الربيع العربي»، فإذا فاز التيار الإسلامي ممثلا في حركة «النهضة»، من المحتمل أن إسلاميي وأحزاب المعارضة في الجزائر سيسعون إلى التحرك ومضاعفة الضغط لتحقيق مطالبهم بتغيير النظام، بل يشاع تخوف من أن قطر الداعمة للإسلام السياسي تريد نقل التجربة في حال نجاحها من تونس إلى الجزائر. وكان الوزير الأول الجزائري، عبد المالك سلال، قد لمح منتصف الأسبوع إلى أن بلاده كانت ضمن البرنامج المعدّ لزعزعة استقرارها بعد سوريا.
وتشير مصادر أخرى إلى أن زيارة وزير الدولة لشؤون الدفاع في قطر، اللواء الركن حمد العطية، مطلع الأسبوع الجزائر، شملت «صفقة للتراجع عن دعم الإخوان في منطقة المغرب العربي»، لافتة إلى أن الوزير القطري قدم من تركيا إلى الجزائر، ثم ذهب إلى تونس، وترافق ذلك مع «اجتماع في باريس بين دول عربية بقيادة الدوحة، وقوى غربية بقيادة واشنطن، وخلص الاجتماع إلى الاتفاق على التراجع عن التعامل مع التيار الإسلامي جراء الضغط الذي مارسته السعودية والإمارات على قطر في هذا الإطار».
السيناريو الثاني هو الذي يتبع إخفاق «النهضة» في الفوز وعجزها عن تشكيل حكومة، وأيضا لهذا المسار مخاطره إذا رفضت الحركة النتيجة، وهي سبق أن انسحبت من الحكم خلال المرحلة الماضية رغم أحقيتها في الاستمرار. وكان زعيم «النهضة»، راشد الغنوشي، قد قال، على هامش الحملة الانتخابية، إن نجاح تجربة الانتقال الديموقراطي في تونس هو البديل عن الجماعات المتطرفة، مبرزا أن النموذج التونسي هو البديل عن «داعش».
كذلك هناك من يرفع راية جلب الفوضى الليبية إلى البلاد تحت ذريعة دعم وحماية التيار الإسلامي، وفي هذه الحالة فإن الجزائر ستجد نفسها وسط اللهب المتصاعد على كل حدودها، لكنها مرهقة بسبب تراجع أسعار النفط الذي يعد العصب الأساسي لاستقرار وقوة الجزائر.
خلف الصورة هناك من يعمل على دعم التوافق السياسي لإبعاد خطر «الإرهاب»، وشمل التحرك مساهمة الإسلاميين لتحسين الصورة خارجيا، كما حدث في الجزائر خلال التسعينيات بعد ترغيب الإسلاميين، بقيادة حركة «مجتمع السلم»، في المشاركة في الحكم لمدة معينة، ثم جرى الضغط عليهم للانسحاب، وقد خرجوا من الباب الضيق بعد تقوية الجيش والشرطة ومختلف الأجهزة الأمنية، لكن ذلك عُمل عليه بتسويد صورتهم أمام الشعب بملفات فساد وإبرام صفقات مشبوهة.
في هذا الشأن، يقول وزير الدولة السابق وزعيم «مجتمع السلم» المحسوبة على الإخوان، أبو جرة سلطاني، إن ما يحدث في تونس سريع الانتقال إلى الجزائر «بحكم الجوار والامتداد التاريخي على جميع المستويات، وكل نجاح أو فشل له تأثيره» ورأى، في حديث مع «الأخبار» أن «نجاح التجربة التونسية سيغري الجزائريين بضرورة الانتقال الديموقراطي السلس، لكن ما من شعب يريد أن يورط دولته في الأزمات التي حدثت في بعض الأقطار، وحتى السلطات في الجزائر سوف تراجع حساباتها كما المعارضة».
ورد سلطاني على سؤال بشأن رغبتهم لأي من المرشحين التونسيين في الفوز، قائلا إن «الصندوق هو الفاصل في ما يتعلق بتشكيل الحكومة التونسية رغم أن المعطيات تتجه إلى فوز حزبي الغنوشي (قايد) السبسي، لكننا نفضل احترام رغبة التونسيين».
وصار من الواضح أن السلطة في الجزائر تنوي دعم تونس جيدا في حال فوز السبسي، وحكي عن وعود بنحو 500 مليون دولار على شكل قروض مع فوائد منخفضة وتسهيلات في التسديد، فضلا على 100 مليون دولار هبة و 100 أخرى من دون فوائد، كما أشيع عن سعي جزائري إلى الاستقرار في تونس عبر توافق سياسي وإلا فسيكون الخيار الضغط نحو حكم مؤسسات عسكرية وأمنية قوية في الظل، وديموقراطية تقودها أحزاب «متواطئة» ومجتمع مدني «موال»، والهدف إضعاف الإسلاميين وتحييدهم.
مع ذلك، يرى آخرون أن الحكم في تونس لا يجري إلا بصفقة لاقتسام السلطة بين الإسلاميين والعلمانيين، وهو ما أكده المتحدث باسم حزب جبهة التحرير الوطني، سعيد بوحجة، لـ«الأخبار». واستدل بوحجة بأنه «بحكم تجربة التونسيين، فإن الانفراد بالسلطة غير ممكن، ولا بد من إشراك الجميع للحفاظ على تماسك الشعب واستقرار البلاد، لكن الإعلامي الجزائري، سعد بوعقبة، تساءل عن سبب نجاح «التجارب الديموقراطية في الحكم العربي داخل الدول الصغيرة مثل لبنان والكويت وتونس»، وصعوبة «تحقيق ذلك في بلد كالجزائر».