خرج مدير مركز عصام فارس، السفير عبدالله بو حبيب، من قاعة المؤتمرات في المركز، معتداً بنتيجة الندوة التي عقدت اول من امس. اطمأن إلى أن الصحافيين دوّنوا كل الملاحظات: «لديكم الكثير من الزبدة اليوم». فالمحاضرة التي جمعت منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد، والصحافي جان عزيز تحت عنوان «هل لبنان بحاجة الى رئيس للجمهورية؟»، قد تكون من أكثر ندوات المركز التي شهدت جدلا ونقاشا وصفه سعيد بـ «المهم، حتى ولو كان حادا».
رفيقا لقاء «قرنة شهوان» السابقان جلسا جنبا الى جنب، بعدما فرقتهما السياسة. لم يقتصر الحوار على الاجابة عن كيفية الخروج من مأزق الشغور الرئاسي، بل تعداه الى نقاش حول وجود حزب الله وسلاحه، الموضوع الأحبّ الى قلب «دكتور» قرطبا.
طلب بو حبيب من سعيد أن يتحدّث بداية، فبدأ كلمته بالتأكيد على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية. عدّد عمليات انتخاب الرؤساء السابقين والظروف السياسية التي رافقتها «من أجل التشديد على أهمية العوامل الخارجية لانتخاب رئيس». ورأى أن السياسي يخوض معركتين «الاولى داخل طائفته من أجل حصر الزعامة بشخصه، والثانية ضد بقية الزعماء من أجل تحديد قوته على صعيد الوطن». هذا الامر نقل لبنان الى «مرحلة المساكنة بين الطوائف، والتجربة أثبتت فشل هذا الخيار». في الواقع الرئاسي، «يشكو المسيحيون أنهم منقسمون بين تيارين يترأسهما سعد الحريري وحسن نصر الله. يتألمون ويتحسرون على الماضي، كما أن علاقاتهم مع الغرب الى تراجع، ولكن أنا أرفض مقاربته كاستحقاق مسيحي». توقف عزيز عن أخذ الملاحظات وعدل طريقة جلوسه لينظر الى سعيد حين تحفظ «عن اعلان المسلمين أن الرئاسة مسيحية. فنحن نطلب من الكنيسة دعوة كل اللبنانيين الى انتخاب رئيس، فشهادتها عن العيش المشترك لها وقعها اليوم أكثر من أي وقت، في ظل التطرف الديني». دعا سعيد الاحزاب المسيحية الى تحمل مسؤولياتها، «واعادة قراءة اتفاق الطائف». بالنسبة إلى حزب الله، «فليشبه لبنان بدل أن تتشبه به جماعات أخرى». أما الوصية الاخيرة: فـ»عودوا الى الدور تعودوا الى السلطة».
الطائف ولد
بعلّتين الاولى ميثاقية
والثانية ادارية

عزيز أكمل من حيث انتهى «زميله»، مشيرا إلى أن «الطائف أكبر كذبة، ولدت في 2 آب 1990 من جنازير الاحتلال». عدّد أسماء السياسيين المعترضين على الطائف، فتحركت شفتا سعيد لتدلا على الامتعاض الذي تركه كلام «صديقي جان»، كما ناداه. يرى عزيز أن «الطائف» ولد بعلّتين، «العلة الاولى ميثاقية، فهو يُختزل بشخص رئيس الحكومة. أما العلة الثانية، فادارية، هناك ثغر لا حل لها». فلسفة الطائف، «كما أخبر أحد أعضاء البنتاغون السفير سيمون كرم، كانت بقاء الجيش السوري في لبنان لا خروجه. بعد الـ2005 هذه الوثيقة لم تؤمن أي استحقاق». بالنسبة إلى عزيز هناك ثلاثة أمور يجب الحفاظ عليها، «نهائية الكيان مقابل عروبة الدولة، السيادة مقابل الشراكة، ومركزية الحكومة مقابل لا مركزية المجتمع». لم يضحك سعيد الا حين ذكّره عزيز بمثل كان هو يستعمله، «عن كلاب الشيواوا الذين صغر حجمهم مع الوقت، ولكنهم حافظوا على قوة صوتهم ليتذكروا الماضي ويحاولوا التعويض عن حجمهم. فحتى لا نصبح مثلهم فلننتخب رئيساً يصلح الطائف، وإلا فلتُعتمَد صيغة المجلس الرئاسي الذي يؤمن التمثيل الميثاقي المطلوب». كلام عزيز دفع سعيد الى الرد عليه، مذكرا اياه بأن «السلاح كان العائق أمام تنفيذ الطائف بدءا بالسلاح الفلسطيني وصولا الى الايراني».
بدأ النقاش حين فتح المجال لمداخلات الحضور. عضو الهيئة التأسيسية للتيار الاصلاحي محمد عبيد قال «في البداية كان كلام الدكتور ايجابيا»، فرد عزيز ممازحا «شفت قلنالك التزم بالمكتوب». آخر رأى في سلاح حزب الله ضمانة له، فانتفض مدير تحرير صحيفة «الجمهورية» شارل جبور رافضا «منطق أن حزب الله يحمي اللبنانيين، فهو الذي أحضر التكفيريين الى لبنان. يجب علينا أن نتفق على دوره ووظيفته». عراب «القانون الارثوذكسي» نائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي استغرب ما يقال عن أن المشكلة بدأت مع سلاح حزب الله، «هي تعود الى نقاش دستور عام 1926، ويتحمل مسيحيو لبنان مسؤولية سوء ادارة السلطة». السؤال المطروح بعد الطائف: «هناك شيء نظريا ممتاز، ولكن كيف نطبقه؟».
تُرك الكلام في الختام للمحاضرين. سعيد شدد على أنه «في عملية تكوين السلطة يجب أن نكون على حجم دورنا». أسف لان «الكنيسة والاحزاب المسيحية غائبة عن أحداث المنطقة»، منتقدا مؤتمر واشنطن الذي جمع مسيحيي المشرق. هذا الكلام، استفز عزيز، الذي سأل سعيد «من بامكانه تجسيد كلامك؟ روبير غانم أم بطرس حرب، الذي كنت تُخبرنا عنه في قرنة شهوان؟». أُحرج «الدكتور» فصرخ «لأ دخيلك». أنهى عزيز النقاش مؤكدا أن «أسوأ الخيارات بما فيها التقسيم أفضل من المطروح حاليا».