كان إقرار قانون الموارد البترولية في المياه البحرية عام 2010 إيذاناً بـ«السماح» باستخراج ثروة لبنان النفطية والغازية بعد عقود من تعمّد طمس الملف برمته، «وكأن إرادة عليا تمنع الموارد النفطية عن الناس»، على حد تعبير نقيب المحامين جورج جريج؛ فما هي الكيفية التي ستقررها هذه الإرادة أو بالأحرى الإرادات العليا لاقتسام عائدات البترول، وما هي وجهات إنفاق عائدات الدولة من هذه الثروة؟ ظللت هذه الأسئلة مؤتمر «اليوم اللبناني للبترول- إطلاق الفرص» الذي نظمته يوم (22 كانون أول 2014) هيئة إدارة قطاع البترول والمركز اللبناني للدراسات LCPS، حيث تحدثت عريفة المؤتمر غادة بلوط عن «أول اكتشاف للنفط» منذ منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، حين اكتشفت شركة النفط العراقية في بلدة تربل شمالي لبنان نفطاً، وسرعان ما طُمرت البئر، لتتكرر التجربة تلك بأشكال مختلفة على مر العقود.

بحسب بلوط، اكتشفت شركة أميركية في الستينيات الغاز على عمق 800 متر في بلدة يُحمر جنوبي لبنان، وعثرت شركة بلغارية على النفط على عمق 380 مترا في قموع الهرمل في الثمانينيات، لتُطمر هذه الآبار أيضاً؛ كما اشتعل عدد من آبار المياه الجوفية في التسعينيات في منطقة التل الأخضر في البقاع عند محاولة الحفر لتعميقها، فعمدت القوى الأمنية إلى ختمها بالشمع الأحمر!
يبدي البعض مخاوفه من إدارة عائدات النفط والغاز على نحو سيئ، ومن عدم تحقيق الفائدة المرجوة لعموم لبنانيين في نهاية المطاف، قال وزير الطاقة والمياه أرتيور نظريان، مشيراً إلى أن «إثارة هذه المخاوف أمر شرعي، كما أن التدقيق في عمل الحكومة من قبل الرأي العام هو أمر ضروري أيضا لتعزيز المساءلة، وبالتالي تفعيل أداء السلطة التنفيذية والمؤسسات العامة وتعزيز دورها». سأل نظريان «صانعي القرار» سؤالا وحيدا، «هل تريدون أن يتقدم قطاع البترول في لبنان الى الأمام أم لا»؟ وربما تجدر الإضافة، «...وفي أي اتجاه»؟
في المبدأ، يفتح التطور المرتقب لقطاع البترول الباب أمام خفض نسبة الفقر وتحقيق التنمية الاقتصادية، لكن على نحو عام، ما تشهده دول العالم نتيجة تطور قطاع البترول هو انخفاض في النمو الاقتصادي وارتفاع نسبة الفقر وتفشي الفساد، وحتى زيادة التسلط، يقول سامي عطالله، رئيس المركز اللبناني للدراسات! غير أن السيناريو الأخير «ليس قدراً»، ففي مقابل حالات كالسعودية، حيث انخفض فيها الناتج المحلي للفرد إلى النصف تقريباً، ونيجيريا حيث ظل المؤشر نفسه عندها ثابتاً على مدى 30 سنة من إنتاج النفط، ثمة دول ضاعفت قيمة المؤشر نفسه. الشرط الأساسي للإفادة العامة من الثروة البترولية هو «نوعية المؤسسات»، وقدرتها على المراقبة والمحاسبة، فيما «تتذبذب المؤسسات في لبنان بين الصراع (السياسي) والشلل»، يقول عطالله، مستشهداً باستطلاع للرأي أظهر أن 3 إلى 5% فقط من المستطلعة آراؤهم أبدوا ثقة بمجلسَي النواب والوزراء!
تحدث عطالله عن ضرورة تشديد الرقابة على القطاع، في ظل ميل النخبة السياسية لاستخدام ريع النفط لتغذية سلطتها وشبكتها الزبائنية؛ وفي السياق نفسه، قال سفير النروج سفين آس إن قطاع البترول كان أساسياً في تأسيس «دولة الرفاه» welfare state في بلاده، مشيراً إلى أن «مفتاح» تحقيق ذلك هو برلمان ورأي عام يقظَين. يجب أن يكون البترول ملكاً للشعب، لا للقلة المتميزة، وإلا لتحولت نعمة الموارد إلى «لعنة»، قال السفير.
«لا بيئة صديقة للنفط» في لبنان، برأي جريج، الذي تحدث عن «المحاصصة في كل شيء» وإهمال البنى التحتية، كمصفاتَي طرابلس والزهراني اللتين صارتا «خارج الخدمة» (نتيجة قرار سياسي بتعطيل المرفقين الحيويين لمصلحة احتكار استيراد المشتقات النفطية). «المشكلة في القرار السياسي»، قال جريج، مشيراً إلى أنه «عندما يصبح لبنان دولة، تُصلح كل الأمور الأخرى»، ويصير ممكناً التعاطي مع القطاع «بفكر استراتيجي، لا سياسي»، في ظل التوسعية «الإسرائيلية» وسعي قبرص لبناء محطة تسييل للغاز، «بينما نحن مختلفون على (اقتسام) السمك في البحر».