المكتبة الموسيقية

الحلقة ٧٢

  • 3
  • ض
  • ض



نحن معجبون بأشياء كثيرة في الغرب، منها احترام التوثيق العلمي. نقول هذا الكلام حباً بهذا الشرق الذي لو استمر في تجاهل كتابة تاريخه بدقة وتجرّد واعتزاز سيكون انقراضه حتمّي. هل يُعقَل أن نقدِّم لكم حلقة عن عمل يُعتَبَر من العصر الحديث ونضع علامات استفهام، بهدف التحفّظ، على معظم المعلومات التي استطعنا جمعها من هنا وهناك؟! الأسوء أنك تبحث على الأنترنت عن معلومات في مواقع عربية، فتتفاجأ بأن معظمها ”غير موثوق“ وبعضها قد يدمّر جهاز الكومبيوتر لاحتوائه أو لكونه عبارة عن ”فايروس“ فتّاك، عدا عن أنها غالباً ”إبداعات“ في بشاعة التصميم، ومقاربتها، بالمناسبة، من جانب ”جمالية البشاعة“ (والعبارة لأديب عالمي معاصر كبير) غاية في المتعة!
عنوان الأغنية ”خلّي السيف يجول“ كما يرِد في معظم المراجع. حسناً، ثلاث كلمات، اثنتان منها لسنا متأكدين من صحّتها! أي ثلثَي الاسم! عبارة ”خلّي“ غير موجودة في نص الأغنية. يوجد ”خلّوا“. إذاً، منطقياً، اسمها ”خلّوا السيف…“. الأغنية مصرية، وفي مصر يمكن أن تُلفَظ عبارتا ”يجول“ و”يقول“ بشكل مشابه تماماً، بحسب المنطقة واللكنة كما تعرفون. والفعلان يصلحان في هذه الحالة. فالسيف، شعرياً، يمكنه أن ”يجول“ أو ”يقول“. بمعنى أن الاستعارة جائزة في الحالتَين. الأغلبية الساحقة من المراجع تعتمد ”خلّي“ و”يجول“، لكننا نميل بقوة إلى ”خلّوا“ من جهة، لورودها في النص كما أسلفنا، وإلى ”يقول“، من جهة ثانية، وذلك استناداً إلى استخدام حرفَي الـ”ج“ والـ”ق“ في سياق الأغنية بالشكل الذي يدعم خيارنا هذا، إضافةً إلى كون الأغنية بدوية النَفَس.
ملحّن هذه الأغنية هو، وهذه معلومة أكيدة والحمد لله، الشيخ الملحِّن الجليل زكريا أحمد. كاتبها، وهذا أكيد أيضاً، الشاعر التونسي/المصري العظيم بيرم التونسي. مغنيها هو الفنان المصري محمد الكحلاوي، ولحسن الحظ أن لا تسجيلات كثيرة لها وإلاّ لضاعت الطاسة: من غنّاها أولاً؟ هذا التسجيل هو لفلان أو لفلان؟
الأغنية ثورية، ويُقال إنها تعود إلى فترة ما بعد النكبة (1948) مباشرةً. طيّب، لماذا ”يُقال“؟ لأن النكبة ليست حدثاً كبيراً في الوطن العربي؟؟؟ يبدو أنها كذلك! هي من أوبريت بعنوان ”عزيزة ويونس“؟ أكيد. الأوبريت يحكي قصة حب، لكن في أي سياق ترد الأغنية فيها؟ الله عليم. أين نجد تسجيلاً كاملاً لها؟ في المريخ ربما! تقع على رابط يتيح لك الاطلاع عليها داخل موقع مشبوه، فلا تجرؤ على الضغط عليه… الضغط، هنا، قد يولِّد انفجار جهاز الكومبيوتر وليس فقط تعطيله! هل ”عزيزة ويونس“ هي للإذاعة أو عُرضَت أيضاً على المسرح؟ يجوز الوجهان! تجد في أحد المواقع المتخصصة أن لها مخرج وهو محمد حسن الشجاعي. تدوِّن الاسم على ورقة المعلومات في ملف التحقيق الخاص بالأغنية الجميلة، وتزهو بنفسك لأنك وفَّرْت علامة استفهام إضافية. يدفعك الفضول إلى مزيد من المعلومات من ذاك الموقع جدّي، وإذ… تعليق من فلان: مخرج ”عزيزة ويونس“ ليس محمد حسن الشجاعي بل عثمان أباظة. ثقة بالنفس يمحوها اللون المستخدم في كتابة التعليق: أزرق فاقع!
أما السؤال عن الموسيقيين وكورس الرجال والنساء الذين سجّلوا هذه الأغنية ومن قادهم فهو ضرب جنون. محمد الكحلاوي بنفسه لا يعرف، لو سئل قبل رحيله.
لا يوجد تسجيل آخر لهذه الأغنية… نُضيف تحفُّظ: على الأرجح. أولاً لأن لا شيء أكيد، ثانياً، لأنه لو وُجِد تسجيل ثانٍ لتعرضنا للشتم والاتهام بالجهل من قبل سلفيّي الموسيقى العربية، نجانا الله من لسانهم وتأثيرهم. التسجيل رديء مع الأسف، لكن نسبة الوضوح فيه مقبولة جداً.
تتألف هذه الأغنية من مذهب مختَصَر وثلاثة غصون (كوبليه). نوَد فقط لفت انتباهكم إلى تركيبتها: أولاً، أكرَم شيخ الملحنين علينا بلحن بديعٍ مختلف لكل كوبليه (وبعض التلاوين في أجزاء من لحن الكوبليه الأوّل)، بدلاً من تكرار لحن واحد كما هي الحال والقاعدة في معظم الأغاني. ثانياً، يتكرَّر كل كوبليه أكثر من مرة، بدون ترتيب منطقي. وهذا جميل. لتوضيح هذه الفكرة، سنترك المذهب وتكراره بعد كل كوبليه جانباً، وسنسمّي الكوبليه الأول A، الثاني B والثالث C. فتصبح هيكلية الأغنية على الشكل التالي: A-B-B-A-A-C-C-B-A-C.
أخيراً، هذه الأغنية تستحق ليس إعادة تسجيل وحسب، بل إعادة توزيع محترمة بما أن تركيبتها النغمية تسمح بذلك.

  • Title”خلّوا السيف يقول“
    الملحّنالشيخ زكريا أحمد
    الكاتببيرم التونسي
    المغنّيمحمد الكحلاوي

3 تعليق

التعليقات

  • منذ 9 سنوات Hachem Hachem:
    ‫سلام, أثار فضولي المقال,
    ‫سلام, أثار فضولي المقال, أوبريت عزيزة و يونس يحتوي على أغنية " يا صلاة الزين". غنّى الشيخ امام مقطعاً منها يمكن أن أزودكم بها. كما أن الأوبريت (معالجة اذاعية للمسرحية) موجود على الموقع. كما أن تسجيل بجودة أفضل قليلاً من هذا التسجيل موجودة أيضاً على "سماعي" حيث وجدتم التعليق بأن المخرج ليس محمد حسن الشجاعي. و يبدو أن صباح تشارك في الأوبريت. لا أدري اذا كنتم قد اسنمعتم اليه ولكن يبدو أنه لا تحتوي على الأغنية.
  • منذ 9 سنوات محمد محمد:
    ‫هل راجعت سعد الله آغا القلعة ؟
    ‫أعترف بأن اختياركم لمواد الحلقات بديع جداً، وأشكركم عليه. كذلك أوافق الكاتب في كل ما قاله عن صعوبة التوثيق في تراثنا العربي. لا أعرف إن كان قد تسنى لكم مراجعة أحد كبار المهتمين بالموسيقى العربية والتراثية، وهو الدكتور سعد الله آغا القلعة، والمقيم حالياً في بيروت على ما أعرف. ربما كان لديه أجوبة على الكم الكبير من التساؤلات حول هذه التحفة الموسيقية. يا حبذا لو أضفتم المقام الموسيقي لهذه الأغنية أيضاً، هل هو كرد، نهاوند، أو حجاز ؟ وشكراً
  • منذ 9 سنوات مجهول :
    ‫القاهرة ١٩١٩
    ‫حلقة مميزة جداً ودخلت بقائمة المفضلات عندي من المكتبة الموسيقية ... الغنية حلوة كتير وسهلة الحفظ .. فيها مشهد سينمائي ابيض واسود .. تخيلت المغني والملحن والكاتب مع الكورال الشعبي بشي قهوة عتيقة طاولاتها خشب بني محروق وكراسي قش بشي حارة من حارات القاهرة عم يشدو الهمة ليوم النصر .. والقهوة الها شبابيك ع ساحة وكل مين عم يصول ويجول فيها حامل السيف ... هيي الغنية يمكن يقال انها بعد النكبة .. بس هيي أكيد من بعد ثورة ١٩١٩ وبيكفي .. شكراً عالاختيار :-) ^_^ سامي