رغم استمرار المعارك في مختلف المناطق السورية وتأثيرها المباشر في حياة المواطنين، يبقى الحديث عن سرقة الآثار وتخريبها واغتيال التاريخ، حاضراً ومتابَعاً رسمياً وشعبياً.تقارير كثيرة تحدثت عن مواقع أثرية ومتاحف نهبت، في ظل تأكيد للمسؤولين السوريين أن الدولة ما زالت قادرة على حماية تراثها الإنساني.

فالخريطة الجغرافية لآثار سوريا ممتدة وشاسعة، ويقع جزء كبير منها في مناطق سيطرة المسلحين، حيث تتهددها عمليات التنقيب غير الشرعية والسرقة والتهريب إلى خارج البلاد في الأسواق السوداء. هذه العمليات لا تتوقف عند لصوص آثار هواة، بل تعدت ذلك إلى عصابات منظمة تمتلك المعدات المتطورة في بعض الأحيان. أما المعابر الرئيسية لتهريب السلاح والمسلحين، فهي المعابر نفسها التي تستخدم لتهريب الآثار، حيث يشكل لبنان وتركيا السوق المزدهرة لبيع تلك الآثار وتسويقها، وتصل إلى الكيان الإسرائيلي عبر الأردن.
هذا ما أكده مدير المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية، مأمون عبد الكريم، الذي قال لـ«الأخبار» إن «هناك الآلاف من القطع الأثرية سرقت من ماري ووادي يرموك والموقع المعروف بالأشعري وأفاميا، فمن الطبيعي أن تصل إلى تركيا، وإلى الدول الأخرى كالكيان الإسرائيلي والأردن ولبنان». وتعليقاً على تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» حول وصول بعض القطع إلى المتاحف في الكيان الإسرائيلي، أشار عبد الكريم إلى أن «هذه التقارير طبيعي أن تكون صحيحة، ونحن لا نشك فيها، على اعتبار أن هناك حركة مافيا في دول الجوار، إضافة إلى مافيا في الداخل السوري مرتبطة بمافيا دولية».
ويروي عبد الكريم أنّه «عندما تحدث عمليات السرقة من مواقع أثرية في القنيطرة ودرعا تذهب هذه القطع المسروقة إلی لبنان أو إسرائيل. أما القطع الأثرية المسروقة من دير الزور والرقة، فتذهب إلی تركيا، وهناك قطع تذهب إلی الأردن، ولسنا بحاجة إلی تقارير دولية، فنحن ـ بالتعاون مع الشرطة الدولية والمنظمات الدولية ـ سنعيد كل قطعة أثرية هربت من سوريا، بطريقة غير شرعية وإن كانت بحكم محاكم دولية ستعاد إلی الشعب السوري، وحتی لو بقيت سنة أو خمساً أو عشر سنوات».
لم يخف عبد الكريم أن العديد من القطع الأثرية استطاعت دمشق إعادتها عبر التعاون مع الدول الإقليمية، مؤكداً أن «الحكومة اللبنانية أعادت إلينا أكثر من 90 قطعة أثرية... وكانت مبادرة طيبة من السلطات اللبنانية التي تعاونت كثيراً، ونحن نأمل من الدول الأخرى أن تفعل الشيء نفسه».
وأوضح عبد الكريم أن «هناك مجموعة من الإجراءات العاجلة والسريعة وفق المواصفات العالمية المتبعة في حالة النزاعات والأزمات، لذلك قمنا بإخفاء جميع المتاحف وإغلاقها ونقلها إلى أماكن آمنة، وقد استطعنا كمؤسسات حكومية وغير حكومية ومجتمع محلي إنقاذ آلاف المواقع. لكن بالمقابل هناك الاختراقات والتدمير المنهجي للعشرات من المواقع الأثرية المهمة في دير الزور والرقة وحلب ودرعا والحسكة. كل هذه المواقع مهمة، دخلتها العصابات، ومنذ بداية ربيع عام 2013 بدأنا نشعر بأن هناك حالة خطيرة تحدث في المواقع الأثرية السورية».