رام الله | لا تترك إسرائيل فرصة تُمكّنها، ولو مؤقتاً، من إضفاء «يهوديتها» على القدس المحتلة، إلّا تستغلّها. فالأعياد اليهودية وما يتبعها من شعائر، تحوّل حياة المقدسيين إلى جحيم، وتحديداً أولئك الذين يسكنون البلدة القديمة.
الخميس الماضي، كان اليوم الأخير في عيد «العُرش» اليهودي، الذي امتدّ على مدار ثمانية أيّام، لم تهدأ خلالها التراتيل التوراتية، وكذلك الأغاني التلمودية والمسيرات الاستيطانية التي جابت أزقة وحارات المدينة العتيقة، فيما لم يمر يوم دون أن يكون الأقصى على موعد مع الاقتحامات.
الناشط المقدسي من بلدة سلوان، فخري أبو دياب، قال إن الاحتلال سعى بحجة الأعياد اليهودية إلى مزيد من السيطرة على القدس، "وإثبات وجود شبه دائم لمستوطنيه في المسجد الأقصى الذي قُسّم زمانياً، ولم يتبق إلا تقسيم أماكنه بين المسلمين واليهود".
وتبدأ الإجراءات المشددة بإغلاق معظم الطرق في القدس وإليها، ونشر أعداد كبيرة من عناصر الشرطة في الشوارع، الأمر الذي يحدّ من تحرّك المقدسيين، ويضطرهم إلى سلوك طرق بديلة وطويلة تمتدّ عدّة كيلومترات.
وليس على المقدسيين احتمال تلك الأيام الثمانية فحسب، لأن الأعياد اليهودية كثيرة وطويلة، وأبرزها «العُرش، والفصح، ورأس السنة، والغفران، والأنوار، والمساخر، وخراب الهيكل»، وفيها تُغلق الدوائر الرسمية الإسرائيلية، وفق الناشط أبو دياب، ما يعني أيضاً تعطل شؤون كثيرة للمواطن المقدسي، الذي يجد نفسه في أحيان كثيرة عاجزاً حتى عن توفير لقمة من خبز القمح، أو حبات من الحمص، مثلما يحدث في عيد الفصح مثلاً، إذ لا يتناول اليهود هذه الأطعمة، وفي النتيجة يمنعون دخولها إلى المدينة في تلك الفترة.
أيضاً في عيد رأس السنة اليهودية، يفرض الإسرائيليون طوقاً شاملاً على المقدسيين في منطقة عين سلوان، ويُفسحون المجال للمستوطنين لممارسة شعائر تمتدّ لساعات، بل يُمنع المواطنون من التحرّك حتى انتهاء المراسم.
ويتحدّث أحد القاطنين هناك عن صعوبة هذا العام بسبب تصادف «عيد الغفران اليهودي» مع اليوم الأول لعيد الأضحى عند المسلمين، فيقول إنه منع من الوصول إلى منزل شقيقته الذي يبعد عنه عدة أمتار، مستدركاً: "حتى لما ذهبنا مشياً خالفونا بحجة عدم الالتزام بالقانون... عن أيّ قانون يتحدثون؟ هل سألتزم بقانون دينهم؟".
ولم تغب المرأة الفلسطينية عن مشهد التصدي، وهنا تقول الصحافية المقدسية، لواء أبو رميلة، إن "المرأة المقدسية صار لديها جرأة لافتة في التصدّي للمستوطنين وعناصر الشرطة الذين لا يتوانون عن ضرب المقدسيّات والاعتداء عليهن"، كما حدث أخيراً مع الموظفة في الأوقاف بالأقصى، عبير زيّاد، التي خلع أحد أفراد شرطة الاحتلال حجابها.
وتضيف أبو رميلة، التي تسكن في حي القرمي في القدس القديمة، إنّ الاحتلال يضيّق أكثر على النساء خلال الأعياد اليهودية، "وفي مُعظم الأيام يُمنعن من دخول الأقصى بحجة أنهن يكبّرن في الباحات أثناء الاقتحامات". وتُشير إلى أن غالبية الاحتكاكات مع المستوطنين تحدث قرب باب السلسلة، ولا سيما مع خروجهم من المسجد الذي يدخلونه من باب المغاربة وهم يرددون الترانيم اليهودية بطريقة مستفزة للمصلين.
في باحات الأقصى، جاءت الهجمة الاستيطانية هذه السنة على أشدّها، وآثار الأعياد اليهودية كانت واضحة كما تفيد دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، إذ ارتفعت وتيرة الاعتقالات، وكذلك قرارات الإبعاد عن الأقصى لمدد تصل أحياناً حتى ستة أشهر، وفي سابقة خطيرة اعتقل عدد من حرّاس المسجد وأبعد آخرون.
أما المرابطون داخل المسجد، فصار يشوبهم الإرباك لأن وتيرة الاقتحامات ارتفعت بصورة كبيرة وطريقة جنونية وقاسية. وفي المرة الأخيرة، حوصر نحو 30 مُعتكفاً لأكثر من أربعين دقيقة داخل المصلّى القبلي، وتخلل ذلك إطلاق مئات القنابل الصوتية والغازية، وكذلك الرصاص المطاطي بعد قطع عناصر شرطة الاحتلال التيّار الكهربائي عن المسجد.
وكانت شرطة الاحتلال قد أغلقت أبواب الأقصى في فجر ذلك اليوم أمام النساء والرجال دون 60 عاماً كافة، كما أصيب عشرة من الشبّان المُعتكفين، وخرجت مشاهد «صادمة» لم يسبق أن شوهدت في سلسلة الاعتداءات على الأقصى.
ويتحدّث أحد الناشطين قائلاً إن الاقتحام كان في موعد مبكر أكثر من العادة، "بل الإعلام لم يكن مستيقظاً، لأنه بعدما انتهى كل شيء بدأ الإعلام يتواصل معي".
حتى إذا انتهى الاقتحام، لا تكون معركة الشبّان المعتكفين قد انتهت، فعيون الاحتلال تتفحص الخارجين من البوابات لاعتقال من يُعتقد أنه كان ضمن المرابطين، فيلجأون إلى حيل أبرزها تغيير ملابسهم، لكنها لا تقيهم شر الاعتقال.