كشفت التحقيقات الجارية في وزارة الصحة العامة عن عملية سطو واسعة للمال العام، قام بها عدد من المستشفيات المصنّفة فئة «ثانية»، وأفضت إلى اكتشاف سرقة أكثر من 1.5 مليار ليرة خلال سنة واحدة، بالتعاون والتواطؤ مع أحد موظفي الوزارة.
وتشير المعطيات المتداولة بين المستشفيات إلى أن التحقيقات أظهرت تورّط أكثر من أربعة مستشفيات مصنّفة فئة ثانية (أي تلك التي تقدّم خدمات العلاج الفيزيائي، والتي تعنى بمرضى الأمراض المزمنة لدى المتقدمين في العمر، وتركيب الأطراف، والأمراض العقلية...) وهي مملوكة من عائلات سياسية أو تُدار من خلال إشراف سياسي.

هذه المستشفيات كانت تسلّم فواتيرها إلى أحد الموظفين المعنيين، الذي كان يمنح الملفات موافقته السريعة من دون أن يقوم بالحدّ الأدنى من التدقيق اللازم. ورغم قوّة الشكوك التي أثيرت حول تورّط هذا الموظّف، إلا أن ضغوطاً سياسياً كبيرة تواجه الوزير وائل أبو فاعور من أجل منع إحالة الملف على النيابية العامة التمييزية للتحقيق معه ومع المستشفيات المتورطة. أما بالنسبة إلى الفواتير، فقد تبيّن أنها تنطوي على تشكيلة واسعة و«ماكرة» من عمليات التزوير. فالتحقيقات أظهرت أن هناك فواتير عن مرضى دخلوا للعلاج الفيزيائي وحصلوا على جلسات علاج متواصلة طوال أيام الشهر، فيما الحدّ الأقصى الممكن هو 3 جلسات أسبوعياً.
وزارة الصحة مطالبة بالتدقيق في ملفات المستشفيات عن السنوات الماضية
واللافت أن بعض المرضى المتقدمين في العمر مسجّلون أيضاً للعلاج الفيزيائي، وتتقاضى عنهم المستشفى تعرفتَي إقامة، وبعض المرضى الذين أدخلوا إلى المستشفى في حالة «كوما»، تبيّن أنهم مسجّلون في علاجات التأهيل أيضاً... وهناك مرضى لم يدخلوا إلى المستشفى أصلاً، لكنهم مسجلون في المستشفى ويحصلون على علاجات فيزيائية وعلى أدوية، وهم شبه مقيمين في أسرتهم. كذلك، إن عدداً من أسماء المرضى تكرّر في أكثر من مستشفى واحد خلال فترات زمنية متقاربة، ما يعني أن هناك تنسيقاً بين المستشفيات على تسجيل الأسماء الوهمية نفسها.
الأمر المشترك بين كل أشكال التزوير والسرقة هذه، أن وزارة الصحة تدفع مبلغاً مقطوعاً عن كل عمل طبي من الأعمال التي تقوم بها مستشفيات الفئة الثانية. فعلى سبيل المثال، إن تعرفة استقبال مريض «كوما» تتضمن الإقامة والأدوية وزيارات الأطباء والآلات. أما تعرفة العلاج الفيزيائي المقطوعة، فهي تتضمن أيضاً الإقامة وأتعاب الطبيب، وتتضمن تعرفة الأمراض المزمنة للمتقدمين في العمر الإقامة وأتعاب الطبيب والأدوية... وبالتالي، عندما يسجّل المريض على فواتير مستقلة، رغم أن حصوله على العلاج هو في الوقت نفسه، فإن الأمر يعدّ احتيالاً واضحاً يمكن كشفه بسهولة، إذ يقدّر أن المستشفى يتقاضى عن كل مريض 3 مرّات وثلاثة فواتير مستقل بعضها عن بعض. أما قصة المرضى الوهميين، فهي عملية تزوير تأخذ بيانات بعض زوار المستشفى أو الذين دخلوا إلى الطوارئ ويسجّلون على أنهم مرضى لفترات طويلة.
الجدير بالإشارة أن عدداً من المستشفيات اشتكى من أن غبناً لحق بهم بسبب المستشفيات المخالفة، وخصوصاً لجهة الملفات التي لم تسددها وزارة الصحة، أو لجهة مطالبتها برفع التعرفات... غير أن وزارة الصحة باتت اليوم مطالبة بالتدقيق في ملفات هذه المستشفيات عن السنوات الماضية لمعرفة حجم السرقة الفعلي وما إذا كان يتجاوز 1.5 مليار ليرة سنوياً.