لا يشعر رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون بضغوط تذكر في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسيّ. بدل الدفاع عن نفسه في وجه اتهامه بتعطيل انتخاب رئيس جديد، حرص على أن يحمّله الجميع هذه المسؤولية لينتزع، بطريقة غير مباشرة، الاعتراف بأنه الناخب والمرشح الأول والأخير في هذا الاستحقاق.
وهذا تحقّق فعلاً: يمكن بكركي التصريح بما تريد. لن يتغير شيء ما لم يطرق البطريرك بشارة الراعي باب عون للتفاهم معه، بحسب أحد نواب المتن العونيين. أما القوات، فيمكنها، وفقاً للنائب نفسه، مواصلة تصعيدها القضائي بعدما ولّت أيام تصعيدها العسكري إثر بيع قائدها «سلاح حماية المجتمع المسيحي». لن يغيّر هذا في واقع جعجع المرشح لرئاسة الجمهورية عاجز عن الفوز بكرسي نيابي في منطقته. وفي السياق، يتعين على الرئيس سعد الحريري الاستمرار في الهروب من عون، كما فعل غداة انتخاب مفتي الجمهورية، ريثما يجد تبريراً مقنعاً لتراجعه عن وعده الباريسيّ. يومها، توجّه الجنرال إلى دار الافتاء متطلعاً إلى وضع عينه في عين الحريري، إلا أن الأخير غادر بسرعة، بعدما رمت الرابية كرة التفاهم على الاستحقاق الرئاسيّ في ملعبه. أما العلاقة مع حزب الله فيسودها اطمئنان كامل الى أن للحزب مرشّحاً رئاسياً واحداً هو: ميشال عون.
يواصل عون حصد النقاط. ترتفع معنوياته أو تنخفض تبعاً لمسار التسويات الإقليمية. لكنه يفترض أن ما تحقق حتى الآن، خصوصاً مع النائب وليد جنبلاط، أشبه بقطع ثلثي الطريق إلى بعبدا.
ولعل مشروعه الرئيسي اليوم هو تعميق التفاهم السطحي مع الرئيس نبيه بري، مع ما يقتضيه ذلك من تسليم الجنرال بمهارة بري في طبخ التسويات، ووقف مساعي نوابه للعب في ملعب بري النيابي. وليست الموافقة العونية على تحويل سلسلة الرتب والرواتب من لجنة المال والموازنة إلى اللجان المشتركة، بعد كل بطولات النائب ابراهيم كنعان الإعلامية، سوى خطوة أولى، تليها موافقة العونيين على الاستعاضة عن استعراضات لجنة المال والموازنة حول الموازنة بسطر صغير يكتبه وزير المال علي حسن الخليل. واضح أن الجنرال ملّ المعارك الدونكيشوتية مع النائب ميشال المر، وكتّاب الكتب، وافتعال المشاكل مع رئيس المجلس.
يبدي عون جدية كبيرة في التوصل إلى نظام داخلي يرضي الجميع في التيار

التوق العونيّ إلى المصالحة يشمل الأقربين والأبعدين. سرب الجنرال، قبل نحو عام، خبراً عن نيته توريث الوزير جبران باسيل قيادة التيار الوطني الحر. وجلس بعد طرد المسربين يرصد ردود الفعل: سرعان ما تبين أن الهدف الرئيسي لغالبية النواب (باستثناء آلان عون وسيمون أبي رميا) هو الحفاظ على كراسيهم سواء كان باسيل رئيس تيارهم أو النائب السابق شامل موزايا. أما النشطاء المعروفون في الإعلام فلن يفكروا مرتين إذا خيروا بين كراسي التنظيم الحزبي والوظائف الرسمية: يكفيهم أن يعينّهم باسيل قناصل فخريين في إحدى الجزر البعيدة ليؤيدوه مدى الحياة. ليبقى هناك نعيم عون (إبن شقيق الجنرال) بما يمثله من حاضنة لكثير من الشباب، وهو استبق إعلان التيار عن نظامه الداخلي قبل ثلاثة أشهر بالقول بصوت عال أنه لن يوقع على تسليم التيار أياً كان الثمن. فما كان من «العونين» إلا أن شرعا مجدداً في نقاش صريح عما يضمن تحقيق كل منهما لأهدافه من التنظيم الحزبي، في ظل إبداء عون الأول جدية كبيرة في التوصل إلى نظام يرضي الجميع. وهو ما تقدم كثيراً في الأسابيع القليلة الماضية، وأدى إلى تعديلات بنيوية في النظام الداخلي المتداول تضمن هامشاً أكبر للديمقراطية الحزبية، فيما يقف إقرار النظام الجديد عند بندين فقط: آلية تعيين المكتب السياسي، وآلية اتخاذ القرار السياسي.
فعلياً، تدرك الرابية، بحسب أحد النواب الكسروانيين، أن الخشية من الفراغ الأمني القائم أعظم من كل شيء آخر. مقارنة بالمخاوف الأمنية هناك لا مبالاة شعبية بالاستحقاق الرئاسي ولا مبالاة حزبية بالنظام الداخلي وهوية الرئيس وصلاحيات المسؤولين وغيره. مع ذلك، يعترف النائب، ثمة مواكبة عونية للحالة الأمنية لكن لا مبادرة. أنهكت الحرب الأهلية السابقة عون ومجتمعه؛ انتقل عون من الافتراض بأن التفاهم مع حزب الله أشبه ببناء حائط دعم للمجتمع المسيحي إلى الإيمان الراسخ بأن الحزب هو حائط الدفاع الأول والأخير عن التعددية اللبنانية. وهو يفترض اليوم أن التفاهمات الجانبية المحدودة مع جنبلاط والحريري تدعم هذا الحائط بعدما شارف على اليأس من دور متقدم للمؤسسة العسكرية على هذا الصعيد في ظل قائدها الحاليّ. مع العلم أن قهوجي انتقل أخيراً من محاولته حصار نفوذ قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز إلى التودد له ومحاولة استيعابه مجدداً، معيداً قرار فصل مغاوير القتال الجبلي عن فوج المغاوير إلى الجارور مجدداً.