يخوض «التجمع للحفاظ على التراث اللبناني» آخر معاركه لوقف تفكيك ما بقي من سباق ميدان الخيل الروماني في بيروت. فبعدما سمح مجلس شورى الدولة مطلع العام الجاري بتفكيك واعادة دمج الآثار تحت أبنية «الوسط التجاري»، يقول التجمع ان وزير الثقافة روني عريجي قد اذن لاصحاب العقارات، بتفكيك ما بقي من الاثار‪.‬
يرى الناشط في «التجمع للحفاظ على التراث اللبناني» رجا نجيم «ان ما يجري حالياً في ثلاثة عقارات في منطقة وادي أبو جميل، يمثل نسخة اسوأ مما جرى في عهد الوزير السابق غابي ليون، ما يعني عملياً تدمير المعلم الاثري تدميرا كاملاً، ما خلا اعادة توزيع بعض اجزائه المفككة في مداخل الابراج الجديدة المتوقع ان ترتفع في القريب العاجل»‪.‬
يصنف ميدان سباق بيروت الروماني ثاني ميدان مكتشف في لبنان، والخامس في الشرق الأوسط بعد ميادين القيصرية في فلسطين وجرش في الأردن وبصرى الشام في سوريا وصور في لبنان‪.‬‬
وبالعودة الى ارشيف التقارير العلمية بشأن الحفريات الاثرية في العقارات التي اكتشف فيها ميدان سباق الخيل الروماني، يتبين ان الاثري هشام الصايغ أوصى بضرورة التعاطي مع العقارات التي تمثل امتداداً لميدان سباق الخيل بطريقة موحدة، والمحافظة على المكتشفات الاثرية في مكانها، كما ان الاثري ناجي كرم كتب تقريراً عن اهمية ميدان سباق الخيل. وكان المشرف على اعمال الحفر في بيروت الدكتور اسعد سيف قد وجه في 14 آب 2009 كتاباً الى المدير العام للاثار فرديريك حسيني، يشير فيه الى اهمية الموقع وضرورة المحافظة على الاثار في مكانها‪.‬
الا ان الوزير ليون وافق على اقتراح قدمته الشركة المالكة للعقار ١٣٧٠ الذي يضم الجزء الاساسي من ميدان سباق الخيل الروماني، بناء على دراسة اعدها مهندس ايطالي، تقضي بدمج اجزاء من الميدان المكتشف ضمن العقار، وبجعل الطبقة الأرضية متاحة أمام الزائرين، فيصبح بهذه الطريقة متحفاً في الهواء، ولكن ضمن المبنى‪.‬
ووافق قرار ليون على دمج كامل الجزء الجنوبي من الآثار في البناء المنوي إنشاؤه على العقار الرقم 1370 من منطقة ميناء الحصن، وعلى تفكيك وإعادة تركيب أجزاء الشوكة الوسطية من ميدان سباق الخيل الروماني والأجزاء الشمالية منه ضمن البناء‪.‬
يقول نجيم ان ما يجري حالياً في العقار 1370 مخالف لقرار الوزير ليون، رغم عدم موافقتنا عليه، اذ يجري حالياً بذريعة تفكيك قواعد اسمنتية في الجزء الجنوبي من العقار تدمير المكون العمراني الاساسي للمدرجات الرومانية، وما قد ينتج عن ذلك من ضياع لقيمتها الاثرية والفنية‪
اوصت اللجنة
التي عينها ليون بألا يجري المس بالمدرجات

.‬
يؤكد نجيم ان لديه معلومات تظهر اعمال تفكيك للمدرجات، هي عبارة عن كتل متجانسة من احجار صغيرة، واذا ما جرى تدميرها بهذه الطريقة، فلا يمكن اعادتها الى شكلها الاساسي، واي محاولة للقول من قبل المديرية العامة للاثار انه يمكن من الناحية العلمية اعادة دمج وتركيب هذه الاجزاء الصغيرة، هو تضليل للرأي العام ومحاولة يائسة لطمس الجريمة التي ترتكب بحق الاثار في بيروت‪.‬ واضاف نجيم «في السابق اوصت اللجنة العلمية التي عينها الوزير ليون بألا يجري المس بالمدرجات، وقالت ما حرفيته «عملية الدمج ستجري للآثار وهي متروكة في وضعيتها، ولن ترفع المدرجات لأنها مكونة من حجارة صغيرة مرصوصة تتفتت إذا ما رفعت، لذا ستترك في مكانها وترفع الشوكة الوسطية المبنية من حجارة كبيرة، ثم تعاد الى مكانها الأصلي متى انتهت عملية البناء».
وسأل نجيم الوزير عريجي هل هو على علم بما يجري في ميدان سباق الخيل الروماني؟ آملاً الا يكون قد جرى تضليل الوزير بتقارير متضاربة.
اتصلت «الاخبار» بالوزير عريجي للاطلاع على موقفه، فاكد ان جميع المعلومات التي تحدثت عن اعمال تفكيك في العقار الرقم ١٣٧٠ غير صحيحة على الاطلاق، وان ما يجري هو عملية تعشيب تقوم بها المديرية العامة للاثار تمهيداً لاستكمال اعمال المسح والتنقيب الاثري في هذا العقار. واضاف عريجي» رغم ان قرار مجلس شورى الدولة واضح لجهة الموافقة على اقتراح التفكيك واعادة الدمج في هذا العقار، أبلغني مالكه أنه لا ينوي خلال الفترة الحالية استكمال اعمال البناء، لذلك ومع احترامي للجمعيات المدنية وحماستها فان الضجة التي اثيرت حول الموضوع غير صحيحة». واردف عريجي «في المقابل وافقت وزارة الثقافة على اعمال تفكيك لجزء من الموقع الاثري الواقع في العقار ١٤١٠ المجاور وهو مملوك من شركة اخرى، ورغم ان هذه الاعمال قد جرت بناء على موافقتي، إلا انني طلبت قبل يومين وقف الاعمال، بعدما وردتني اعتراضات حول هذه الاعمال، وسوف اقوم بجولة في الموقع يوم الاثنين المقبل لاطلع شخصياً على سير العمل لانني حريص على ان يكون هناك شفافية في عمل المديرية العامة الاثار». يقول عريجي ان» الحديث عن استملاك العقارات التي تضم سباق الخيل الروماني ليست واقعية، وحبذا لو لدينا موازنة لاستملاك العقارات، لذلك ما نقوم به هو حل انقاذي، ولقد ضمنا الحفاظ على جزء من المعلم الاثري في مكانه، والمالك مجبر على ان يدون على الصحيفة العقارية ان الاثار المدمجة جزء من متحف في الهواء الطلق، ويمكن دخوله من قبل العموم، وهذا انجاز مهم حققته الوزارة». ويوضح عريجي «حالياً تضع وزارة الثقافة الملاحظات النهائية على عدة مشاريع مراسيم حول اصول القيام باعمال الدمج والتفكيك كي لا يكون هناك استنسابية او سوء في عملية التنفيذ، وسوف تخضع هذه المراسيم لاستشارة مجلس شورى الدولة، تمهيداً لاقرارها في مجلس الوزراء».




قرار الدولة


ليس معلوماً بعد موقف رئيس الوزراء تمام سلام (الصورة) من تفكيك الميدان، علماً ان القرار بالمحافظة عليه في مكانه قد اتخذ ابان توليه حقيبة الثقافة، ولقد خاض سلام مع عدد من الوزراء السابقين حملة قبل عامين، مطالبين الوزير السابق غابي ليون بالتراجع عن قراره بتفكيك واعادة دمج اجزاء من الميدان في المبنى الحديث المزمع انشاؤه، كما قال سلام في حينها: «لو كان للدولة القرار، لكان يجب استملاك كل العقارات من حول الميدان وكشف المعلم بأجمعه». اليوم وحين اصبح الرئيس سلام في موقع « قرار الدولة» لا يزال الصمت سيد الموقف في يتعلق بهذا المعلم التاريخي. ‬