سيناء | ممر ضيق يتسرب من شارع 23 يوليو الرئيس وسط مدينة العريش. يستمر في التضيّق لنحو عشرة أمتار، ثمّ تتفرّع منه مجموعة شوارع ضيّقة تضمّ عشرات المحالّ موصدة الأبواب، وثمّة حقائب سفر بالعشرات تنتظر المسافرين وتكاد تغلق بوابته التي لم تعد تحمل لافتة تشير إلى أنّ هنا كانت "سوق غزة".
يسألني عصام، وهو تاجر الحقائب، وأنا أحاول المرور بين الحقائب المكدسة أمام الممر الضيّق، عن قبلتي، فأسأله: "أليس هذا ممر سوق غزة؟". يعدّل جلسته ويقول: "كانت هنا بالفعل سوق غزة، لكنّها أصبحت اليوم مغلقة تماماً منذ شهر يناير الماضي"، نظراً إلى حالة الركود والكساد التي أصابتها، وتوقّف البضائع التي كانت تأتي من غزة بعد إغلاق الأنفاق بينها وبين مصر.
السوق أنشأه، خلال شهر سبتمبر من عام 2005، عدد من التجار الذين وجدوا في البضائع الفلسطينية المدخلة من غزة عن طريق معبر رفح، مكسباً يفوق البضائع الأخرى، والأخيرة كانت تأتي من الأسواق المصرية، فتميزت بضائع غزة بإقبال الزبائن الشديد، وكانت ذات جودة عالية وأسعار مناسبة.
وفق مسؤول أمني في شمال سيناء، رفض ذكر اسمه، فإن نحو 95% من الأنفاق التي تستخدم في تهريب السلع والبضائع، بين مصر والقطاع، لم تعد تعمل بسبب الحملة التي شنها الجيش المصري، بعدما عزل الرئيس محمد مرسى في الثالث من تموز 2013.
عدت لعصام، وأكمل شرحه: "بعد تغير الأوضاع السياسيّة في غزة، وإغلاق الأنفاق والتضييق على فتح معبر رفح تراجعت الحركة التجارية في سوق غزة، ثم حاول التجّار الحفاظ على استمراريّة السوق بجلب بضائع مستوردة من السوق المصرية، لكنها لم تجد قبولاً لدى الزبائن الذين كانوا يفضّلون البضائع التي تأتي من غزة".
حملات تموينية مكثفة في الأشهر الماضية لضبط ما تبقى من "بضائع غزة"
السّلع المصريّة المهرّبة إلى غزة لم تستطع المنافسة داخل أسواقها

أما الحاج الخمسيني، إسماعيل الكاشف، فيقول: "أهمّ البضائع الفلسطينية التي كانت تلقى رواجاً الأغطية والجلود والملابس والمنظفات الصناعية والزعتر والقهوة". ويضيف: "رغم الحملات التموينيّة التي شنتها أجهزة الأمن المصرية، وضبطت خلالها بعض البضائع الآتية من القطاع، لا تزال هناك بضائع تروّج على بسطات متواضعة خارج سوق غزة التي أغلقت تماماً".
التاجر حسام إبراهيم الذي كان صاحب محل في تلك السوق، يضيف هو الآخر أن بضائع غزة يعرفها جميع السكان المحليين هنا، "لأنّها كانت تملأ المحالّ قبل إغلاق الأنفاق، واعتاد الناسشراءها لسنوات طويلة بعدما كانت تصل إليهم عبر (تجّار الشنطه) الذين كانوا يتردّدون يوميا إلى معبر رفح، ثم عن طريق الأنفاق بصورة أكبر".
ويشير تارجر آخر إلى أن الإقبال كان يصل إلى التجّار من مختلف محافظات الجمهوريّة، "وخاصة القاهرة والإسكندرية، إذ يقل سعر بضائعنا كثيراً عن الأسعار الموجودة في باقي المحافظات".
وجرمت السلطات المصرية بيع المنتجات الفلسطينية بعد أحداث "30 يونيو" وإغلاق الأنفاق بين مصر والقطاع، وزادت تشديدها مع إغلاق "سوق غزة" وبيع تجار صغار بعض المنتجات المخزّنة في أسواق شعبية تنتشر في شارع 23 يونيو في العريش.
ويؤكد وكيل وزارة التموين في شمال سيناء، المحاسب فتحي أبو حمده، أنّ "حملات تموينية مكثفة تمكّنت خلال الأشهر الماضية من ضبط كميات من بضائع قطاع غزة، وخاصة الأحذية والصنادل والقهوة بأنواعها". وذكر في حديث لـ" الأخبار" أنّ حملات واسعة النطاق وصلت حتى داخل مدن شمال سيناء، وأضاف: "جرى تحرير نحو 426 مخالفة لتجار يبيعون عدّة سلع فلسطينية، جميعها وصلت سيناء عبر الأنفاق، ويتولى التجّار تخزينها في مستودعات خاصة لتعطيش السوق، وبيعها بأسعار مضاعفة للزبائن الذين يبحثون عنها ويفضلونها".
في هذا السياق، يرى التجّار المصريون الذين عملوا في الأنفاق السرية خلال السنوات الماضية، أنّ السّلع المصريّة المهرّبة إلى غزة لم تستطع المنافسة داخل سوقها نتيجة ارتفاع أسعارها على نحو ملحوظ بسبب مخاطر تهريبها، وقلّة عدد الأنفاق العاملة في مجال التهريب، وليس أخيرا تشديد أجهزة الأمن المصرية إجراءاتها الأمنية على هذه التجارة، واعتقال عدد من القائمين عليها.
ويقول بعض هؤلاء التجّار إنّه ما بعد "30 يونيو" شهدت الحركة تناقصاً ملحوظاً في حجم التجارة التبادلية بين مصر وغزة.
وكانت تجارة الأنفاق النشطة، في السابق، قد حقّقت الثراء لعدد من سكان مدينة رفح المصرية، الذين عملوا في مجال التهريب، وأدّت إلى ارتفاع قيمة الأراضي الواقعة على الحدود بين مصر وقطاع غزة، وكانت تستخدم مخازن للسلع المهربة.