حانت ساعة آبل... والساعة، حسب الشركة، أصدق إنباءً من الآيفون. خرج الرئيس التنفيذي لآبل تيم كوك ليقول: «لا تشترِ الآيفون إلا والساعة معه». في الخفاء، تطلب آبل يدنا جميعاً، والساعة مهرها، والهدف هو القرب من حياتنا اقتراب المعصم إلى الساعة.
خاطب تيم كوك جمهوراً من المنبهرين، معتمداً كل عوامل الدهشة. لسان حاله: «ستجدون ما لم تبحثوا عنه مسبقاً. بدل الكلام، أرسلوا إلى ساعات الآخرين قلباً زهريّاً يدقّ على وقع نبضاتكم. اعرفوا كيف تبدو الكرة الأرضية من الفضاء، وانظروا إلى الأسفل، حيث الساعة، لتروا كيف يبدو القمر إن نظرتم إلى الأعلى. دعوا يدَيْ «ميكي ماوس» تحلّ محلّ عقارب الساعة».
انتهى الخطاب. الكلّ يمنّي النفس بها. وقد تثبت الأيّام أن بيتر هينلاين، الذي تُنسب إليه أوّل ساعة يد، هو مدين لـ«آبل» وغيرها من صانعي الساعات الذكية في استمرار هذا الاختراع قرناً آخر على الأقلّ، خصوصاً أنّ الهواتف الذكية قد أكلت بشراهة من حصّة الساعات كوسيلة لمعرفة الوقت، إذ بحسب إحصاء من «YouGov» عام 2011، كان 60% ممّن أعمارهم بين 16 و34 يفضّلون الهاتف لتحديد الزمن. الساعة كانت على طريق الراديو المحمول، وجهاز السي دي المحمول («ووكمان» وأترابه)، والمنبّه، ومسجّل الصوت، والكاميرات الصغيرة، التي أصبحت كلّها في عداد الضحايا التي حلّت مكانها الهواتف الذكية.

رحلة الوصول إلى يدك

أمّا لماذا أُعيد إحياء الساعة حصراً، ولماذا دخلتها التقنية؟ الجواب بسيط: «آبل تطلب يدك». الموجة الآتية في التكنولوجيا هي موجة «الذات المُقدَّرة كمِّيّاً» (Quantified Self)، حيث يُراد لهذه الأجهزة أن تجمع كلّ ما يمكنها عن جسم الإنسان، من نوعية الهواء الذي يتنشّقه، إلى دقّات قلبه، ونمط حركته ورياضته، والسعرات الحرارية التي يصرفها، والأماكن التي يتردّد إليها، ولذلك هدف أساسي مُعلن هو تحسين نوعية الحياة، وحثّ الإنسان على الاعتناء بصحّته. وهو ما لا يمكن تحقيقه كاملاً، بالاعتماد على هاتف يوضع معظم الوقت في الجيب أو على الطاولة، ولذلك كانت الساعة. هذا الهدف لن تحقّقه آبل وحدها. هي تضع الأرضية الخصبة لمعرفة ما يفعله الإنسان من مشي أو وقوف أو ركض، وتفتح الباب أمام الشركات المطوّرة كي تبني برامج تستفيد من هذه المعلومات.
من اليوم، لن تضطرّ كلّ شركة مهتمّة بالوصول إلى حدّ المعصم إلى أن تبني سواراً خاصّاً بها. آبل قامت بذلك العبء عوضاً عن الجميع، وأصبحت هي الوسيط في علاقة الشركات والمطوّرين من جهة والأفراد من جهة أخرى. على أنّه لا يُتوقّع أن تبقى آبل على الحياد، إذ إنّ سبيلها إلى النجاح يمرّ عبر حماية زبائنها من وحش الشركات اللاهثة وراء تعقّب البشر، والتي تبحث عن استفادة أخرى، غير تقديم النصائح الصحية للمستخدمين. ولأنّ العين على ذلك كبيرة، كان أوّل الغيث بعد إعلان الساعة استجواب لآبل من قبل النائب العام في ولاية «كونيتيكت» الأميركية حول كيفية حمايتها لما تحصل عليه من معلومات.

نافذة على آيفون

من جهة أخرى، لا يمكن إغفال أنّ لساعة آبل خدمات في مجالات أخرى. فقد أُريد لها أن تكون نافذة المستخدم على الآيفون، الذي، بالمناسبة، لا تعمل من دونه في نسختها الأولى ولا يمكنها الاستغناء عنه للاتصال بالإنترنت أو بالـGPS. وبالاتّكاء عليه، تعطيك قائمة المواعيد، وإمكانية تصفّح البريد الإلكتروني ورسائل الهاتف. ويمكنها تلقّف الأوامر الصوتية عبر المساعد الشخصي الذكي «سيري»، وكذلك يمكن عبرها تلقّي اتصالات الآيفون.
وفي الواقع، فإنّ نسبة تشابه ساعة آبل مع الساعات التقليدية هي نفسها نسبة تشابه الآيفون مع الهواتف من قبله. بمعنى آخر، الوقت هو مجرّد خدمة من بين الكثير من خدمات الساعة، وكذلك كانت وظيفة الاتّصال في الآيفون. وبما أنّ كلّ هذه الخدمات ستعمل على شاشة صغيرة، فقد صمّمت آبل واجهة مستخدم جديدة، تعتمد على لمس الشاشة من جهة وعلى نابض (أو زنبرك) يمكن تحريكه للتنقّل أو لتكبير ما يظهر على الشاشة من جهة أخرى. وللمفارقة، لا يوجد في الساعة كيبورد، كما في الساعات الأخرى العاملة على أندرويد، إذ الاعتماد هو على الصوت في إدخال النصوص.
أكلت الهواتف الذكية من حصّة الساعات كوسيلة لمعرفة الوقت

وإلى ذلك، توفّر الساعة إمكانية التحكّم في موسيقى الآيفون وتخوّلك أخذ الصور من كاميرا الآيفون من خلال الساعة، وتسهّل عملية الدفع من الساعة نفسها في المحال التي تتوافق مع خدمة Apple Pay. ورغم أنّه لا كلام عن البطارية، يُتوقّع أن يضطرّ الشخص إلى وضع الساعة يومياً على الشاحن، وهذا ما قد يُحسب سلباً على آبل.

هل تشتري الساعة؟

السؤال الذي قد تسأله لنفسك عند هذه المرحلة: «هل أشتري ساعة آبل عندما تنزل إلى السوق عام 2015؟». أسباب التريّث أكثر من أسباب التعجيل في ذلك.
فإن كان لديك آيفون 5 أو ما بعده، وكانت الساعة بالنسبة لك موضة اعتدت تجديدها كل فترة، بسعر يتجاوز 350 دولاراً، فلا بدّ أنّها مرشّحة لتكون ساعتك المقبلة، خصوصاً أنّها تأتي بأَسْوِرة يمكن تغييرها كلّ فترة. ولكن في المقابل، عليك أن تتوقّع أنّك تستخدم منتجاً أولياً لم تَجْر تجربته على نطاق واسع بعد. وهو ما سيلبث أن يصبح ضعيفاً بالمقارنة مع النسخ القادمة من المنتج. هكذا كانت الحال مثلاًً مع أوّل نسخة من «آيباد»، التي يندر مستخدموها، بينما ما زالت الشركة توصل التحديثات إلى «آيباد 2» رغم صدور ثلاث نسخٍ بعده. وهكذا كانت حال أوّل آيفون أيضاً.
أمّا الرادع الآخر لعدم اقتناء الساعة في الأصل فهو نفسي - اجتماعي. فلحظات البعد عن الهاتف أصبحت تتّسم بالإنتاجية والتركيز والتفاعل مع الآخرين. وهذا ما قد لا نرغب في خسارته باستحضار التكنولوجيا إلى شيء لا يفارق الجسم. فمن قال إنّنا نريد تنبيهاً عبر اهتزازات تجتاح اليد كلّما أرسل أحدهم رسالة؟ ومن قال إنّنا نحتاج في بعدنا عن الهاتف إلى مرسال يوصل إليه أوامرنا؟ أليس الكسل في الوصول إليه نعمة للمستلقين في كثير من الأحيان؟!

الجواب على آبل

من جهتي، أجد نفسي من فئة المتريّثين، ولا أرى أنّني اليوم أريد هذه الساعة التي عوضاً عن أن تريك الوقت، تجعلك تفقد الإحساس به عندما تندمج معها. بل إنّ الساعة الوحيدة التي لفتت انتباهي في السنوات الأخيرة هي ساعة اسمها «Durr»، ليس لديها واجهة أصلاًً لتريك الوقت. هي قطعة مدوّرة موضوعة على سوار، ترسل اهتزازاً واحداً كل خمس دقائق، فقط لإشعارك بمرور الزمن، وكأنّه وخزة ضمير كي تستثمره في أفضل شكل ممكن. وعليه، فإنّ الجواب الذي أراه على مهر آبل طلباً للوصول إلى أيدينا، وعبرها إلى كلّ حركاتنا وأوقاتنا في الوقت الحاضر، هو وضعها على لائحة الانتظار، مع جملة جنبها: «ما هكذا تورد الإبل يا آبل!».