لدخول أحد المباني القديمة في منطقة كرم الزيتون في الأشرفية ينبغي «اختراق» عشرات المتجمهرين أمامه وبعض الجالسين على الأدراج. ليس المبنى السكني دائرة رسمية ولا سفارة أجنبية، والوصول اليه يتطلّب معرفة بالمنطقة لكونه يقع في زاروب ضيق. في الطبقة الأولى مكتب صغير تُقدّم فيه طلبات يقول مدير المكتب شارل جبور إنها تسمح لصاحبها «بالحصول على أدويته من احدى الصيدليات القريبة بعد التأكدّ من المعاملة والوصفة الطبية».
جبور مرشح عن المقعد الماروني في دائرة بيروت الأولى، أي مقعد النائب نديم الجميل. المكتب نفسه، للمفارقة، كان عام 2009 مقر ماكينة انتخابية ضخمة تمكّنت في مدة قصيرة من صبّ غالبية أصوات الكرم وجواره في صندوق الجميل. الطبقة الأولى من المبنى الذي أُنشئ قبل 45 عاماً شغلتها شركة اعلانات، قبل أن تتحوّل بعد 18 عاماً الى مكتب لرئيس منطقة الأشرفية الكتائبية وأحد أعضاء المكتب السياسي (جبور نفسه)، لتصبح عام 2009 ماكينة انتخابية لمرشح الكتائب، ثم مكتباً خدماتياً لرئيس مجلس ادارة سوسييتيه جنرال أنطون صحناوي يديره جبور بنفسه: «للمكتب قيمة معنوية يصعب التخلّي عنها أو حتى تحديث محتوياته لكونه يشهد على ذكريات عزيزة مع رفاق السلاح». فجبور كان أبرز المقربين الى الرئيس بشير الجميل وقائد ثكنة الأشرفية والمسؤول عن كل الجبهات خلال حرب المئة يوم. لذلك، لموقع المبنى في قلب كرم الزيتون التي تحضن غالبية المقاتلين البشيريين أهمية كبيرة لا تستبدل ببورجوازية سرسق مثلاً، ولكن، كيف يمكن تفسير دعم نديم في الانتخابات السابقة والرغبة في منافسته في الانتخابات المقبلة؟ السبب بسيط، يقول الكتائبي القديم، «كانت لائحة قوى 14 آذار ستخسر بفارق نحو 1500 صوت، ولا سيما أن أهالي الكرم كانوا يدعمون المرشح مسعود الأشقر المحبوب شعبياً ما دفع بالجميل الى اغلاق مكتبه. لذلك ووفاء لوالده، حولت المكتب بسرعة الى قاعة خدماتية بدعم وموافقة أنطون صحناوي. نشرت صوري الى جانب بشير أيام الحرب مذيلة بدعوة شخصية لانتخاب نديم.
ميشال جبور:
أنا اليوم مرشح صحناوي
للنيابة وأمثّله
ومع دخول صحناوي بثقله الى المعركة تغيرت قواعد اللعبة، وتمكنا من ضرب لائحة التيار الوطني الحر وتعويم لائحة الوزير ميشال فرعون مجدداً. زحف «مصنع الرجال» (أي كرم الزيتون) لانتخاب ابن بشير الذي لا يقنعهم، ولكن اكراماً لتاريخنا ولوجودي الدائم بقربهم». هكذا تمكنت لائحة فرعون من الفوز لأن «بشير الجميل وهو تحت التراب أقوى من أي سياسي فوق التراب». بعد خمسة أعوام على نيابة نديم، بات جليا أنه «خيّب آمال المنطقة والأهالي. يصعب الوقوع على أي مشروع أو خدمة انمائية له أو قرار سياسي لافت سوى ذلك الذي يضعه في حضن حزب القوات اللبنانية. فاته أن الأشرفية ليست قوات سمير جعجع التي لا تملك 500 صوت بل قوات بشير فقط». علماً أن جبور لم يعد يؤمن بمؤسسة الكتائب «العائلية»، وهو كان قد ربح دعوى قضائية على الحزب أدت الى اقفال البيت المركزي لمدة من الوقت.
لأنطون صحناوي اليوم خمسة مراكز خدماتية في دائرة بيروت الأولى. والى جانب المساعدات الطبية والاستشفائية، توزع المكاتب نحو 6 آلاف حصة غذائية في السنة، وتؤمن مساعدات مدرسية ورواتب شهرية للمعوقين والمعوزين. يثير ذلك الفضول حول هدف صحناوي، وخصوصاً في ظل معلومات عن عدم رغبته بالترشح لا الآن ولا لاحقاً. يجيب جبور: «أنا اليوم مرشح صحناوي للنيابة وأمثّله، ولكن أطمح الى ايصال صوت الفقراء والمعترين».
يتنازع اليوم على المقعد الماروني ثلاثة، ابن بشير، نديم، ورفيقا السلاح جبور والأشقر. أما اللوائح فاثنتان، لائحة 8 آذار ولائحة 14 آذار ما يعني أن مرشحا من الثلاثة لن تحتضنه أي لائحة. يقول الكتائبي المشاغب إنه كان ينعم بقاعدة صغيرة تؤيده، صارت اليوم أوسع وأشمل بفضل خدمات عائلة صحناوي. وهو يدرك جيدا أن لا حظوظ أبدا للمرشح الفردي، ولذلك يؤكد ترشحه على لائحة ما: «وأنا بعطي أصوات ما باخد».
هل يمكن فهم الترشيح على أنه رغبة بأخذ مكان نديم على اللائحة لكون الصحناوي أقرب الى خط قوى 14 آذار؟ «قرب أنطون من 14 آذار لا يجعله بعيدا عن الباقين، الأكيد أني لم أترشح كي أنسحب». وهل يعني ذلك احتمال التحالف مع التيار الوطني الحر؟ «من المبكر الحديث عن أي لوائح انتخابية او تحالفات الآن». ونتيجة لذلك، يصعب اليوم تحديد هوية المتضرر الأكبر جراء ترشّح جبور: العماد ميشال عون الذي لا يمكنه صرف النظر عن قدرة هذا المرشح وداعمه على ترجيح كفة ما في المعركة الانتخابية، النائب الجميل الذي يستهدفه الترشيح شخصيا، أم النائب الكاثوليكي فرعون، الذي يستحيل عليه اغفال أن رجل الأعمال الكاثوليكي صحناوي قرر اليوم ترشيح جبور.