ما إن كثّف نواب فريق الرابع عشر من آذار زياراتهم إلى عين التينة في الأيام الأخيرة، حتى بدأت ملامح «صفقة نيابية» تظهر. يبدو أن المشهد اللبناني، الغارق منذ حوالى أربعة أشهر في الفراغ الرئاسي وفوضى المؤسسات وشبه الانهيار الأمني، يشقّ طريقه إلى انفراج ما على المستوى السياسي، إذ إن وصف رئيس مجلس النواب نبيه برّي الأخير الأجواء لعقد جلسة تشريعية بأنها «إيجابية»، يعني أن «عمله المتواصل لجمع فريقي الثامن والرابع عشر من آذار داخل الهيئة العامة لم يعُد يصطدم باعتراضات مبدئية»، لا بل إن النواب الذين تحدّثت «الأخبار» إليهم أجمعوا على أن «الاتفاق على عقد جلسة تشريعية نهاية الشهر الجاري، أو في الأسبوع الأول من الشهر المقبل، بات في خواتيمه».
وفي حين ظهر البعض الآخر منهم وكأنه خارج الصورة نهائياً، علمت «الأخبار» أن «الاتصالات الجارية بين وزير المالية علي حسن خليل ونادر الحريري مدير مكتب الرئيس سعد الحريري، بهدف حلحلة بعض العقد، لا تزال تحتاج إلى المزيد من الوقت».
أبرز المتحدثين عن هذا «الاتفاق» والمروّجين له هو نائب القوات جورج عدوان الذي كان أكثر الناشطين مع الرئيس برّي على مسار التحركات. وقد كشفت مصادر 14 آذار أن عدوان «تحدّث طويلاً ليل أمس مع رئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة في هذا الصدد»، بعد أن تأمنت الموافقة الكتائبية على جلسة جدول أعمالها محصور بملفات سندات اليوروبوند، ورواتب الموظفين في القطاع العام، وسلسلة الرتب والرواتب والموازنة. هو إذاً «تشريع الضرورة»، العنوان الذي «اخترعه» نائب القوات كمخرج أول للتمديد النيابي، وما دفع قوى 14 آذار إلى الموافقة على حضور الجلسة، علماً بأن موقف تيار المستقبل منها ليس محسوماً حتى اللحظة.
والظاهر أن ما يريده النواب هو نزع صفة «العاطل من العمل» عن مجلسهم، بعد أن كرّر رئيس المجلس، أكثر من مرة، رفضه التمديد لمجلس غير منتج. وأمام هذا الواقع الذي فُهم منه أن برّي يشترط إعادة إحياء جلسات التشريع لمجلس النواب قبل التوافق على التمديد ومدته، لم يبقَ أمام فريق 14 آذار سوى خيار واحد، وهو الإفراج عن العمل التشريعي. وما إقرار هذه القوانين الضرورية، في ظل عدم جاهزية جميع الأطراف السياسية لخوض الانتخابات النيابية، إلا محاولة منهم للقول إن «المجلس يعمل»، وبالتالي هو يستحقّ التمديد. وبعبارة أخرى، ستكون الجلسة التشريعية مطيّة النواب لتمديد ولايتهم، للمرة الثانية. في هذا السياق، أكد مصدر مسؤول في القوات اللبنانية لـ«الأخبار» أن «النائب عدوان يتحرّك كممثل لقوى 14 آذار، ويُحاور الرئيس بري في ما يتعلق بمشاركة هذه القوى في جلسات نيابية تشريعية محددة لتأمين حاجات المواطنين، لكن لا علاقة لحركته هذه بأي صفقة تتعلق بالتمديد لمجلس النواب». مصادر تيار المستقبل قالت لـ«الأخبار» إن «الأمور تتجّه نحو الحل»، من دون الجزم بوجود اتفاق على عقد الجلسة. وأشارت إلى «أن زيادة الواحد في المئة على الضريبة على القيمة المضافة التي يطرحها الرئيس السنيورة باتت مقبولة من قبل الفريق الآخر، على أن تكون جزءاً من الميزانية، وليس ضمن قانون سلسلة الرتب والرواتب ». وتقول المصادر إنه «لا انتخابات نيابية»، مؤكّدة أن «استئناف العمل التشريعي خطوة أولى على طريق التمديد، إذ لا يُمكن أن يطرح النواب في أول جلسة لهم بعد التعطيل بند التمديد لأنفسهم، بل سيسبقه تشريع الملفات الضرورية، للقول بأن المجلس غير عاطل من العمل»، في حين لفتت مصادر نيابية في كتلة «الوفاء للمقاومة» إلى أنها «لم تتبلّغ بعد أي موقف رسمي من عقد جلسة تشريعية، لكن إشارات إيجابية بدأت تصل إلينا بأن الحراك الذي يقوم به عدوان مع الرئيس برّي نجح في إزالة بعض العراقيل».
مصادر «القوات»: لا علاقة لحركة عدوان بأي صفقة تتعلق بالتمديد لمجلس النواب
ورأت أن السؤال الذي يُطرح هو: «هل يشمل الاتفاق الذي يُحكى عنه إزالة اعتراضات فريق 14 آذار على البند المتعلّق بقانون فتح اعتماد إضافي لتغطية سندات الخزينة التي صدرت في حكومة الرئيس ميقاتي الأخيرة، وقوننة المصاريف بهدف إعداد قطع حساب 2012، ورفضه سحب أي مشروع من المراسيم الـ66 التي أصدرتها حكومة السنيورة ولم يقرّها المجلس، والتي تدخل ضمنها القروض الدولية، وصولاً إلى الملفات العالقة بما فيها الـ11 ملياراً، أم أنه سيطال تشريع القوانين الملحّة، وحسب» ؟ في المقابل، أكدت مصادر الرئيس برّي أن «لا تسوية شاملة تطال كل الملفات التي ذُكرت، بل اتفاق على عقد جلسة قريبة لم يُحدّد موعدها، وعلى جدول أعمالها بنود طارئة عدة، هي إقرار سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام، والتصديق على موازنة عام 2015 ، والإجازة للحكومة إصدار سندات خزينة، وتوفير الاعتمادات لمؤسسة كهرباء لبنان». ولفتت المصادر إلى أن «عضو كتلة التنمية والتحرير النائب ياسين جابر طرح على الرئيس برّي إدراج بند يتعلّق بالقروض الدولية على جدول الأعمال الجلسة»، مرجّحة أن «تُطرح أيضاً تسوية المهل الدستورية والقانونية المرتبطة بالانتخابات».
من جهتها، أشارت مصادر التيار الوطني الحر الى أن «الرئيس السنيورة لم يعرض على تكتل التغيير والإصلاح قانون الموازنة، بل أبقى النقاش عليه بينه وبين الرئيس بري». أما في ما يتعلّق بسلسلة الرتب والرواتب «فما زالت المشكلة القديمة هي ذاتها على نقطتين رئيسيّتين: رفع الضريبة على القيمة المضافة ورفع درجات الأساتذة». ولفتت المصادر إلى أن أي «جلسة تشريعية تتناول على جدول أعمالها القوانين المعجلة المكررة ستضم قانون التمديد، لأنه قانون معجل مكرر أيضاً». ويرجح أن « تكون أول جلسة تشريعية في الثلاثين من الشهر الجاري، نظراً إلى ضرورة بتّ مسألة اليوروبوند قبل نهاية الشهر، ويكون الرئيس تمام سلام قد عاد من السفر».