إسطنبول ـ الأخبار بدأ «التخادم» بين الحكومة التركية و«داعش» يظهر بصورةٍ لا تدع مجالاً للشك في الاستفادة المتبادلة بين الطرفين. أفرج «الدولة الإسلامية» عن الرهائن الأتراك الذين احتجزهم في القنصلية التركية في الموصل، عند اجتياحه الشمال العراقي مطلع حزيران الفائت. أول من أمس، دخل الرهائن التسع والأربعون إلى بلادهم عبر بلدة تل أبيض الخاضعة للتنظيم، في محافظة الرقة السورية.
طوال ثلاثة أشهر، خيّم التعتيم على قضية الرهائن.

لا بل، في خطوةٍ غير مفهومة، أصدر القضاء التركي قراراً يمنع الحديث عنهم في الإعلام المحلي. قرار التكتّم على قضية بهذا المستوى، الذي جاء بحجة الخوف على حياة الرهائن، لا يقلّ غرابةً عن المظهر الأنيق الذي ظهروا فيه بعد عودتهم السبت، حيث بدوا كالعائدين من رحلة استجمام.
القنصل أوزتورك يلماظ أكد أن الخاطفين لم يتعرضوا لهم بأي أذى، فيما اكتفوا بتهديدهم بالعنف، عبر عرض مقاطع الفيديو الخاصة بذبح الصحافيين الأميركيين وعامل الإغاثة البريطاني. التنظيم احتجز موظفي القنصلية التركية في 8 عناوين مختلفة في الموصل، بحسب مصادر لوكالة «الأناضول». هذه المصادر أكدت أنهم كانوا تحت متابعة مستمرة من خلال طائرات من دون طيار، وعناصر أخرى، على مدار 101 يوم، أي منذ اليوم الأول لاختطافهم، مشيرة الى أن عملية الإفراج تأخرت قليلاً، بسبب الاشتباكات بين داعش وحزب «الاتحاد الديمقراطي» الكردي.
وكمن يتعمّد المبالغة لإخفاء أمرٍ ما، أكثر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم أمس، من الثناء على دور الدبلوماسية في العملية الأخيرة. «تحرير الرهائن نصرٌ للدبلوماسية التركية ونجاح سيسجله التاريخ»، قال أمس أثناء لقائه بالرهائن المحررين في مطار أسنبوغا في أنقرة. ونفى الرئيس التركي دفع فدية مالية مقابل الإفراج عن الرهائن: «لم تجرِ أي مساومات مادية على الإطلاق. أما إذا كان المقصود حصول مساومات دبلوماسية، فمن الطبيعي أن نجري مساومات سياسية ودبلوماسية أيضاً». كذلك أغدق المديح على جهاز الاستخبارات التركي الذي «أظهرت العملية مهارته». لم يوضح طبيعة «المساومات السياسية والدبلوماسية» التي قامت بها بلاده مقابل استعادة مواطنيه التي تزامنت مع غزو «داعش» لأكثر من 60 قرية كردية في الشمال السوري، ما يثير التساؤل حول مكافأة تركية لـ«داعش»... أو العكس. روايةٌ أخرى أعلنها النائب عن حزب «العدالة والتنمية» الحاكم شامل طيار، حين قال إن «عملية إطلاق سراح الرهائن الأتراك جاءت نتيجة حملة قادتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية»، في وقتٍ تحدثت فيه وسائل الإعلام عن سيناريوات مختلفة، وأهمها وساطة أمير قطر تميم بن حمد ونائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي بين أنقرة و«داعش»، خصوصاً أن أردوغان زار الدوحة الأسبوع الماضي. وقالت وسائل الاعلام إن «داعش» أخلى سبيل الرهائن الأتراك مقابل تعهدات تركية رسمية بإخلاء سبيل البعض من المعتقلين الأتراك والسوريين من أنصار «داعش». كذلك طلب «داعش» من أنقرة استمرار التسهيلات للأجانب الذين يأتون إلى تركيا ثم يدخلون سوريا عبر الحدود المشتركة. في اليومين الماضيين، كثر الحديث عن تسهيل تركي لعناصر «داعش» للسيطرة على مناطق عين العرب الكردية، وتهجير أكثر من 70 ألف كردي إلى تركيا، ما يعني «اطمئنان» أنقرة تجاه التنظيم التكفيري، فاتحةً له المجال للتمدد على حدودها. وبحسب وسائل الإعلام التركية، طلب «داعش» من أنقرة عدم المشاركة في «التحالف الدولي»، وألا تكون طرفاً في المواجهات المستمرة بين «داعش» والمقاتلين الأكراد قرب عين العرب، ولاحقاً على الشريط الحدودي بكامله. في السياق، اتخذت تركيا من رهائنها لدى «داعش» حجةً لتمنعها عن المشاركة العسكرية في «التحالف الدولي». بعد الإفراج عنهم، زالت الذريعة الأساسية لاكتفاء تركيا بتقديم المساعدات اللوجستية والانسانية ضمن «التحالف»، فهل ستغيّر طبيعة مشاركتها اليوم؟ خصوصاً أن أردوغان تعمّد أمس الإشارة إلى هذه المسألة عندما قال: «كان بإمكاننا القول إننا مستعدّون للمشاركة إزاء بعض طلبات التحالف الدولي، لا سيما أن الدول العظمى في العالم مجتمعة، لكن لم يكن بوسعنا أن نقول نعم لهذا الأمر مباشرة، لأننا نهتم بأرواح 49 شخصاً». وقالت مصادر دبلوماسية إن «عودة الرهائن لن تغيّر من الموقف التركي في موضوع محاربة داعش، لكون أنقرة طرفاً متضامناً مع القوى السنية في العراق وهي حليف أساسي لداعش في الموصل». وتساءلت «لماذا لم تتدخل قطر والهاشمي لإخلاء سبيل الرهائن الأتراك طيلة الفترة الماضية ورجحت التحرك الآن فقط؟».
يذكر أن رئيس ديوان مسعود البرزاني، فؤاد حسين، سبق أن اتهم تركيا بعدم اتخاذ موقف واضح ضد داعش خلال احتلالها للموصل»، وقال إن «أردوغان، الحليف الاستراتيجي لأربيل، لم يحرك ساكناً للدفاع عن كردستان، خلافاً لما قامت به طهران التي وقفت الى جانبنا سياسياً وعسكرياً».